القلب هو باب النفس الأول، وبصر الروح الحق، فيه تستتر السرائر، ومنه تنسلخ المشاعر، عنوان الحياة الدائم، ومهد الإيمان الأطهر، ومنتهى الغاية الأعمق، جل مكنونه أن يُزيف، وعز وِده أن يُخان ويُستبدل، القلب رسول يربطنا بمن سوانا، ويربط آخرتنا بدنيانا، لا تسري عليه قوانين العقل، وما أراده سارٍ على الدنيا بما فيها.
وللقلب طباع تميزه عما دونه؛ إذ إنه منشأ الشعور ونقيضه، فإن كان فيه من الحب ما عظم، فإن فيه من البغض ما تضخم وكبر، إن مشاعرنا التي تترعرع في بستان القلب حقيقة لم تُخلق عبثاً، فجميلها أشبه بوردة، وقبيحها شوكة، وعلى قدر ما يصلهما من ماء يكون التفاضل.
ولا ريب أن ماء القلب أفعال وكلمات لها سحرها المميز، فوقع كل منهما على النفس إما أن يرمم شقوق اصطنعتها فينا النوائب، أو يضع طعنة جديدة في جدار قلوبنا.
الحب ربيع القلب، فيه تنمو الآمال، وتزدهر الأحلام، ويكون للنفس ألف باب من الأمل ونهر من العزيمة والإرادة، وبه يعلو صوت الجمال، ويكون لنبضاته صدى من السعادة الوردية والبهجة الخضراء، إن القلب وقتما حُمّل بمرادفات الحب ومعانيه فتح جناحيه وحلق في سماء الحياة؛ ليُصبغ كل صعب ببساطته، ويلون كل حزن بفرحته، ويضع ما لا نهاية لكل نهاية.
أما البغض -سلمك الله- أقرب لخريف آبط يقف على مآذن الشر والنفاق، وكأنه يصرخ بصوت رياحه المُهلِكة فتتحول إلى شظايا تندلع من النفس -بعدما قضت على جمالها وجعلتها أشبه بالأرض البور- كداء لا يترك شيئاً إلا ونزل به وأنهكه، إن الكره أحمال يضعها المرء فوق عنقه حتى تكاد تجعلها تخر على الأرض صرخاً من شدة العناء.
إن القلوب ألوان مختلفة ودروب متداخلة، فمنها ما يعلوه سراب البياض الناصع، حتى إذا ما دخلته صدمتك حقيقة السواد فيه، ورُغم أن القلب طبعه الحب والنقاء فإن بعض القلوب فيها من الكره والحقد ما يجعلك تتيقن أن هناك ظُلمة تفوق ظُلمة الليل بوحشته، وعلى النقيض فإن من القلوب ما يكون على فطرته الجميلة، تلك التي قلما نجدها هذه الأيام، قلوب تأسرك بعفويتها وتضيء ليل نهار، لم يلوثها الزمان بفظائعه، ولم تجنِ عليها الأيام بخبثها ودهائها، تجدها مسالمة نقية وكأنها آية الجمال في النفس، ونور الطبيعة في الصدر.
ألم تقع عيناك يوماً على السؤال الذي يقول: القلب أم العقل؟!
حقيقة الأمر تكمن في خطأ السؤال نفسه، فليس ثمة بشر يستطيع أن يحيا دون قلب، وإلا لكان أشبه بكتلة من الأعضاء تسير لتقتل هنا وتنتهك هناك في غير رحمة أو أسى،
كذلك الأمر بالنسبة للعقل، وإلا لكان فاقده مخبولاً لا يجيد التفرقة بين الليل والنهار، على كل فالقلب في تناغم المصلحة مع العقل دائماً؛ لأن من يُحكم قلبه يسخر عقله في خدمة هواه، ومن يُولّي عقله يراود أهواء قلبه بأمانٍ كاذبة.
وهذا لا ينفي كونهما في صراع دائم يخفيه كل منهما عن الآخر؛ لأنه صراع الخُدعة، فالبقاء للذي يستطيع أن يُزين للآخر جمال متطلباته وروعتها؛ ليستفيد من الآخر في الوصول إليها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.