تُعَد الرواية عملاً خيالياً مكتوباً بلغة نثرية ذات طابع سردي، وتتميز الروايات المميزة بأنها تُسَلِّط الضوء على ما يحدث على أرض الواقع حتى وإن تجاوزت حدود الواقع، وانطلقت في آفاق الخيال بهدف إرشاد القارئ إلى الحقيقة وجوهر الإنسانية من خلال العوالم التي تقدمها الرواية.
لكن أولاً.. مَن هو غابرييل غارسيا ماركيز؟
غابرييل (أو غابو) هو روائي كولومبي يعد من أحد أشهر الروائيين عالمياً، حائز جائزة نوبل للأدب، ووسام جوقة الشرف الفرنسية وجائزة رومولو جايسوس وغيرها من الجوائز والأوسمة، أشهر أعماله الأدبية هما "الحب في زمن الكوليرا"، و"مائة عام من العزلة"، الذي قال عنها الكاتب بابلو نيرودا، والحائز جائزة نوبل أيضاً: "رواية مائة عام من العزلة أعظم إنجاز في تاريخ اللغة الإسبانية".
حسناً، أصبحنا الآن متحمسين بما فيه الكفاية وعلى ثقة بأن عزيزنا غابرييل يملك مفتاحاً أسطورياً يساعدنا على كتابة رواية ملحمية خالدة، وقد لا يقتنع البعض ويقول: "هي نصائح شخصية على كل حال، قد تفيدنا وقد لا تفيد"، وهؤلاء على صواب إلى حد ما.
ألّف غابرييل كتاباً بعنوان "كيف تُكتب الرواية"، وبخط صغير أضاف "ومقالات أخرى"، وسنناقش هنا ملخصاً لما كُتب فيه.
يبدأ الكتاب بمقالة شهيرة لغابو "حسناً، فلنتحدث في الأدب":
"في مقابلة صحفية قديمة، قال خورخي لويس بورخيس: إن مشكلة الكتّاب الشباب في ذلك الحين كانت في أنهم يفكّرون بالنجاح والفشل وهم يكتبون، في حين لم يفكر لويس سوى بالكتابة لنفسه"، ولم يرسخ شيء في ذهن غابرييل كرسوخ عبارة بورخيس: "الكتّاب يفكرون الآن بالفشل أو النجاح"، وقال غابرييل إنه قد قال هذا الكلام بطريقة أو بأخرى لعدد كبير من الكتّاب الشباب، متابعاً: "ولحسن الحظ أني لم أرَهم جميعاً يسعون إلى إنهاء رواية كيفما اتفق ليقدموها في الموعد المحدد لمسابقة ما! ورأيتهم يسقطون في مهاوي القنوط بسبب نقد مضاد أو رفض مخطوطاتهم في دار نشر. لقد سمعت ماريو بارغاس يوسا يقول يوماً: في اللحظة التي يجلس فيها أي كاتب ليكتب، فإنه يقرر إن كان سيصبح كاتباً جيداً أم كاتباً رديئاً. ومع ذلك فقد جاء إلى بيتي بمدينة مكسيكو شاب في الثالثة والعشرين من العمر، كان قد نشر روايته الأولى قبل ستة شهور، وكان يشعر بالنصر في تلك الليلة؛ لأنه سلم لتوه مخطوطة روايته الثانية إلى ناشر، أبديت له حيرتي لتسرعه وهو لا يزال في بداية الطريق، فرد عليّ باستهتار: أنت عليك أن تفكر كثيراً قبل أن تكتب؛ لأن العالم بأسره ينتظر ما ستكتبه، أما أنا فأستطيع أن أكتب بسرعة؛ لأن قلة من الناس يقرأونني".
ويقول غابرييل إنه فهم مغزى عبارة بارغاس يوسا، فذلك الشاب قرر سلفاً أنه سيكون كاتباً رديئاً، كما كان في الواقع إلى أن حصل على وظيفة جيدة في مؤسسة لبيع السيارات المستعملة، ولم يعد بعدها إلى إضاعة وقته في الكتابة.
وانتهت المقالة إلى هنا.. حسناً.. مممم.. ولكن كيف تُكتب الرواية؟! يكمل غابرييل بمقالته الثانية في الكتاب.
"هذا هو دون شك أحد الأسئلة التي كثيراً ما توّجه إلى الروائي، ولدى المرء دوماً إجابة مرضية تناسب من يوجه السؤال نفسه، لكن الأمر أبعد من ذلك، وأكثر من يسألون أنفسهم كيف تُكتب الرواية، هم الروائيون بالذات، ونحن نقدم لأنفسنا أيضاً إجابة مختلفة في كل مرة".
لكن.. لم نعرف بعد كيف تُكتب الرواية؟! وهذا هو السؤال الذي أجاب عنه غابرييل محتاراً..
"إنه السؤال الذي لا إجابة له، وإذا كان هناك من يملك الأسباب لمحاولة معرفة ذلك، فهو من يكتب الآن هذه السطور محاولاً من أعماقه إيجاد حله الخاص للأحجية، لم أجد غرابة في اضطراري إلى عض لساني كي لا أسأل كل من ألتقي به: قل لي يا أخي (اللعنة) كيف يمكن كتابة رواية؟!".
انتهى ما أراد غابرييل إخبارنا به، نعم انتهى! ففي حين أن حجم الكتاب كله 68 صفحة، قام بإخبارنا "كيف تُكتب الرواية؟" في مقالتين فقط حجمهما 8 صفحات فقط، وتلك الـ60 صفحة المتبقية هي مقالات ومذكرات يومية لا تمت للكتابة بصلة، لقد قام غابرييل بخداعنا لبرهة -بقصد أو بدون قصد- ولكن إن أمعنا النظر قليلاً فلقد كان على حق!
ذلك لأنه في صغرنا قاموا بتضييق أفقنا حينما علمونا القاعدة الثابتة لرسم الشمس "دائرة صفراء تخرج منها خيوط لا معنى لها"، ولقد ظلت قاعدة رسم الشمس هذه تنطبق في كل حياتنا بطريقة أو بأخرى، مضيِّقة بذلك حدود تفكيرنا، والدليل هذه العناوين والأسئلة:
"تعلم الرسم.."، و"كيف تكون ناجحاً" و"فن تقطيع البطيخ".. وغيرها من الأسئلة الساذجة.
يا سادة.. إن الفنون لا تُعلّم، حتى وإن رسمت مربعاً أحمر على أنه الشمس.. أين المشكلة؟ إنها رؤيتك أنت في الحياة ووسيلة تعبيرك الخاصة، والكتابة هي أحد هذه الفنون، ليست تجارة أو علماً من علوم الطبيعية حتى نسأل "كيف تُكتب الرواية؟"، لا قوانين ولا قواعد لكتابة رواية ولا حتى أسرار، وينطبق هذا أيضاً على تلك القاعدة التي تعلمناها في مادة اللغة العربية: "لا يجب ابتداء الجملة بحرف الواو؛ لأن لا شيء قبله.. بلاب بلاب"، كما أن هذا لا يعني ألا نتعلم من كتب النقد الأدبية.
وخلاصة القول هي أنه الكتابة فنٌ لا عِلم، فأطلق العنان لأسلوبك كيفما كان.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.