بعد مرور 100 عام على اندلاع أحداثها التي غيّرت مجرى العالم.. هل تتبرأ روسيا الآن من ثورتها؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/11 الساعة 13:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/11 الساعة 13:16 بتوقيت غرينتش

يخطط الكرملين لإيقاف الاحتفال بمئوية الثورة الروسية.

وذلك بصرف النظر عن أنَّ انتفاضات عام 1917 قد غيّرت البلاد والعالم بإنهاء حكم القيصر الذي حكم فترة طويلة، ومثَّلت بداية العصر الشيوعي، وبداية المواجهة الأيديولوجية مع الغرب، التي لا تزال أصداؤها تتردد حتى اليوم.

لن تكون هناك إجازة وطنية يوم الأحد، 12 مارس/آذار، وهو التاريخ المعترف به بدايةً للانتفاضة. ولن يكون هناك حتى تفسيرٌ حكومي رسمي للأحداث، مثل ذلك التفسير الذي اعتبر الحرب العالمية الثانية "نصراً عظيماً".

التفسير الرسمي المُقدَّم لهذا التجاهل هو أنَّ روسيا لا تزال منقسمةً حول تبعات هذا العام المصيري، وفقاً لما ذكر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

قال بعض مسؤولي الكرملين، والمؤرخين، والمحللين إنَّ التفسير المرجَّح لهذا التجاهل هو أنَّ الرئيس فلاديمير بوتين يحتقر فكرة الثورة، فضلاً عن فكرة رقص المواطنين الروس في الشوارع احتفالاً بالإطاحة بأي حاكم.

وعلاوةٌ على ذلك، فإنَّ أحداث عام 1917 تشوِّه نسخة الكرملين للتاريخ الروسي باعتباره مسيرةً طويلة موحدة من العظمة، بغرض زرع شعور من الفخر القومي.

والثورة الروسية هو مصطلح يعبر عن سلسلة من الاضطرابات الشعبية حدثت في روسيا عام 1917، والتي كان لها الدور الأبرز في تغيير مجرى التاريخ، وقد قامت بها أساساً الجماهير الروسية الجائعة؛ منهية بذلك الحكم القيصري، ومقيمة مكانه حكومة مؤقتة، أفضت إلى إنشاء الاتحاد السوفييتي.

واندلعت الثورة الأولى في فبراير 1917 (مارس في التقويم الغريغوري)، أما الثورة الثانية التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول، أزال إثرها البلاشفة الحكومة المؤقتة واستبدلوها بحكومة اشتراكية، تلا ذلك الفصل الأخير من الثورة وهو الحرب الأهلية الروسية.

وتعتبر الثورة الروسية من أكثر الأحداث جدلاً في تاريخ القرن العشرين، بحسب ما ذكرت ويكيبيديا، وينقسم المؤرخون بصدد أحداثها ونتائجها إلى فريقين: الأول هو نظرة إعجاب وآمال كبرى، أما الثاني فنظرته يكتنفها الخوف والتهجم على قادتها.

ولا يزال إلى وقتنا هذا الانقسام دائراً حول ما إذا كانت أحداث أكتوبر مجرد امتداد لثورة فبراير، وعما إن كانت أحداث أكتوبر ثورة نسبت إلى الحرية أو انقلاب على الشرعية، بل ويمتد الخلاف إلى أسباب العنف خلال الحرب الأهلية، وما دور كل ما سبق في نشوء الديكتاتورية البروليتارية في الاتحاد السوفييتي السابق، وتطور الشيوعية إلى اللينينية على أساس التطوير الذي أقره ستالين في مبحثه أسس اللينينية والتي توصف أحياناً بأنها ستالينية سنة 1930.

رسمياً، الكرملين متقيد بالمسار الرسمي الهادف إلى تجنُّب الشقاق الداخلي.

قال ميخائيل شفايدكوي، المبعوث الثقافي الخاص ببوتين، في لقاءٍ صحفي في المقهى الخشبي بـ"البيت المركزي للكتاب"، وهو بيت يعود لفترة ما قبل الثورة: "بالنسبة لمجموعة واحدة من الناس، فقد كانت الثورة مسماراً دُقّ في نعش روسيا العظيمة، كانت كـ"بريكسيت" بالنسبة لروسيا، عندما أوقفنا تطورنا في أوروبا. أما بالنسبة للكثير من الناس الآخرين فقد كان الماضي السوفييتي أفضل وقتٍ في حياتهم".

وعلى الرغم من المفهوم الشائع بأنَّ القيصر قد أطيح فيما يدعوه السوفييت بثورة أكتوبر/تشرين الأول الاشتراكية العظمى، فقد كانت هناك ثورتان وقعتا عام 1917. أطاحت ثورة فبراير/شباط (التي تقع الآن في مارس/آذار بالنظر إلى التقويم المختلف) بالقيصر، وأبدلت به حكومةً انتقالية قدمت إصلاحاتٍ ليبرالية، مثل حق التصويت للجميع. وبعد ذلك بثمانية أشهر، هندس لينين وعصبته البلشفية الهامشية انقلاباً أدى إلى صعود أول دولة شيوعية.

"لم نكن بحاجة إلى ثورةٍ عالمية"

وتختلف انتقادات بوتين للثورة مع المديح الباهر لها على مدار التاريخ الروسي.

فقد قال بوتين في خطابه أمام الاتحاد الفيدرالي في ديسمبر/كانون الأول: "نحن نعرف جيداً التبعات التي من الممكن أن تجلبها هذه الانتفاضات الكبرى. وقد مرّت بلادنا للأسف بالكثير من هذه الانتفاضات وتبعاتها في القرن العشرين".

وحوّل الرئيس مسألة الاحتفال إلى المجال الأكاديمي، فعين لجنةً خاصة لتنظيم الندوات والأشياء من هذا القبيل.

كانت السردية الرسمية للثورة المتاحة في الماضي هي مقال كتبه ألكساندر سولزنستاين، قال فيها إنَّ انعدام الثقة العميق بين البلاط والنخب المتعلمة، إلى جانب التدخل الألماني، كل ذلك أدى إلى حدوث الكارثة.

هذا التصريح الأخير يأتي متسقاً مع سردية الكرملين القائلة إنَّ روسيا قد حُوصرت من قبل الأعداء الأجانب، وإنَّ الغرب يسعى لزرع الحكومات الصديقة له في كل مكان من خلال "الثورات الملونة".

وقد بدأ كُتَّاب الأعمدة الصحفية مؤخراً في وضع ثورة 1917 ضمن الثورات الملونة، مثل تلك التي حدثت في جورجيا وأوكرانيا، وبالطبع أُشِيرَ إلى الولايات المتحدة باعتبارها من بين المحرضين المشكوك فيهم.

هناك أيضاً افتقارٌ مؤسف للشخصيات البطولية في الثورة. فقد أطيح بالقيصر نيقولا الثاني وأُضعِفَ حكمه. وأثبت ألكساندر كيرنسكي، الشخصية المحورية في الحكومة الانتقالية، عدم كفاءته. أما لينين فقد حرّض على سفك مُرعب للدماء، ودمّر الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، وهي إحدى دعائم نظام بوتين.

وقال ميخائيل زايغار، وهو صحفي روسي ومؤلف واحداً من أكثر الكتب مبيعاً بعنوان "All the Kremlin's Men"، يكشف فيه خبايا حكومة بوتين: "لا يمكن لفلاديمير بوتين أن يقارن نفسه بنيقولا الثاني، ولا بلينين، ولا بكيرينسكي؛ لأنَّ هذه الحقبة من التاريخ الروسي ليست مدعاة للفخر. فيما يتعلق بعام 1917، فليس ثمة ما يمكن استخدمه وسيلة للبروباغندا".

وبسبب غياب وجهة نظر رسمية حول تلك الأحداث، فإنَّ الأطراف الأخرى اغتنمت الفرصة لتقديم رؤاها الخاصة. وعادةً ما تشير تلك الرؤى إلى أحداثٍ معاصرة. فقد قال وزير الثقافة المحافظ فلاديمير مدينسكي في أحد المنتديات الحديثة إنَّ الثورة قللت من أهمية مخاطر السماح بحكم الليبراليين؛ لأنَّ أولئك الليبراليين دائماً ما يضعون مصلحتهم فوق مصلحة روسيا.

وانتقد المطران هيلاريون من الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في المنتدى ذاته أولئك الذين دمّروا دولة القيصر بدلاً من محاولة الوصول لتسوية.

ويرد الليبراليون بأنَّ الحكومة القمعية التي تتجاهل التفاوت الضخم في الدخول وتقمع الحقوق الأساسية أمرٌ من الأمور التي ينبغي القلق من تسببها في تكرار التاريخ لنفسه.

وقال المؤرخ نيكيتا سوكولوف: "لا يمكن للسلطات الاحتفال بأحداث 1917. أياً كان ما حدث، فقد كان المحرك للثورة هو العدالة الاجتماعية. دولة بمثل هذا القدر من الظلم لا يمكنها الاحتفال بهذه الثورة. أيضاً تظن السلطات أنَّ أية ثورة هي في الحقيقة ثورة ملونة".

بالنسبة للحزب الشيوعي، وهو الحلقة الأضعف في المعارضة المخلصة، فقد كان تأسيس الاتحاد السوفييتي هو الإنجاز الأوحد. ويخطط الحزب للاحتفال بمسيراتٍ في موسكو وأماكن أخرى في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني، وهو يوم الإجازة القومية في العصر السوفييتي.

وبدأ زايغار، وهو مدير تحرير سابق لقناة "تي في راين" الإخبارية المستقلة، مشروعاً طموحاً يدعى 1917، وفقاً لما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

فقد أنشأ زايغار مع فريقه من الشباب موقعاً شبيهاً بفيسبوك، بالاستعانة بمخزونٍ ضخم من الأرشيفات التاريخية التي تؤرخ لعام 1917 بالروسية والإنكليزية. يستخدم المشروع أجزاء من المذكرات اليومية لمئات من أبرز الروس في تلك الفترة من أجل خلق نموذج من كل يوم من أيام هذه السنة، بما في ذلك حالة الجو.

في الثامن من مارس/آذار، على سبيل المثال، مع بداية اشتداد مظاهرات الخبز في سان بطرسبرغ، نجد نيقولا الثاني وهو يتحسر على إصابة أطفاله بالحصبة. وركز آخرون على فوضى زراعة المشروم. وكتب ميخائيل رودزيانكو، رئيس البرلمان الروسي حينها (الدوما): "لقد انكسر شيءٌ اليوم، وانحرفت ماكينة الدولة عن اتجاهها".

وفي الخامس عشر من مارس/آذار، كتب القيصر في يوم إطاحته: "الخيانة، والجبن، والخديعة في كل مكانٍ من حولي". وذكر في اليوم التالي قراءة كتاب حول يوليوس قيصر، ثم تجنب الكلام في السياسة حتى أبريل/نيسان، حسبما لاحظ زايغار.

عصر العمالقة الروس

لو كان الإمبراطور متبلد المشاعر حينها، فإنَّ العشرات غيره كانوا في غاية الإثارة. كان هذا العصر هو عصر العمالقة الروس في الأدب، والباليه، والرسم، والموسيقى، والأفلام، إذ ظهر أناسٌ مثل سيرغي دياغيليف، وإيغور سترافينسكي، وسيرغي أيزنشتاين، وفلاديمير ماياكوفسكي، وكازيمير ماليفيتش. وظهر في السياسة شخصياتٌ مثل: لينين، وماكسيم غوركي، وليون تروتسكي.

وقال زايغار، الذي أُلهِمَ أولاً لكتابة تاريخ تلك الحقبة في كتابٍ بعنوان "The Empire Must Die"، ثم فكّر في الموقع لكي يصل إلى شريحةٍ أوسع من الجمهور: "تقريباً كل الروس المشاهير المعروفين عالمياً تصادف كونهم يعيشون في تلك الحقبة".

ويلاحظ الكثير من المؤرخين أنَّ مشاعر روسيا متناقضةٌ إلى حدٍّ ما فيما يتعلق بعام 1917. وعلى الرغم من أنَّ الكثير من الناس ينظرون لتلك الفترة على أنها قد دمرت البلاد، فرموزها لا تزال جزءاً من نسيج الحياة اليومية.

تحميل المزيد