معضلة واشنطن بالرقة.. وصول القوات الأميركية يُصعِّد صراع النفوذ في سوريا

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/10 الساعة 07:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/10 الساعة 07:37 بتوقيت غرينتش

دخلت القوات الأميركية إلى شمال سوريا للحفاظ على السلام بين حليفين قاتل بعضهما بعضاً على مدار أسبوع، ما زاد من تعقيد معركة واشنطن ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وأبرز الصراع الإقليمي الفوضوي على النفوذ في أرجاء ما تبقّى من الشمال المُدمَّر.

ووصلت شاحنات مُصفَّحة ترفع بوضوحٍ أعلاماً أميركية، الثلاثاء 7 مارس/آذار، إلى مجموعةٍ من القرى غرب مدينة منبج، حيث فصل نهر الفرات بين القوات المدعومة من الأكراد في الشرق، وهي القوات التي تدعمها واشنطن، والقوات المدعومة عربياً وتُوجِّهها تركيا، والتي تقع أبعد إلى الغرب.

وعلى الرغم من كوْن تركيا والولايات المتحدة حليفتين في الحرب ضد داعش، فإن أيَّاً من الطرفين لم يستقر بعد على تكوين قواته الوكيلة التي ستستعيد في نهاية المطاف السيطرة على الرقة، آخر المعاقل الرئيسية للتنظيم المُتطرِّف بسوريا. وفي غضون ذلك، تطالب جيوش البلدان الأربع، تركيا، وروسيا، وسوريا، والولايات المتحدة، بحقها في إملاء الشروط.

وتُركِّز المحادثات بين تركيا وروسيا، على الرغم من أنَّها لا تزال في أيامها الأولى، على أن تصبح بقايا الجيش السوري، وربما إلى جانب الوحدات المدعومة عربياً التي تدعمها، جزءاً رئيسياً من القوات على الأرض. وتَصادم العرب المدعومون من تركيا والأكراد المدعومون من الولايات المتحدة بصورة مُتقطِّعة على مدار الأسبوع الماضي، وعطَّل انعدام الثقة العميق بين الطرفين المعركة ضد داعش. ولم تتردَّد الولايات المتحدة إلى الآن في دعمها للأكراد السوريين، الذين يُنظَر إليهم كأعداء من جانب تركيا، وصداع من جانب روسيا.

وزادت الولايات المتحدة، الأربعاء 8 مارس/آذار، قواتها المُنتشِرة في سوريا إلى 900 من الجنود ومشاة البحرية، الذين سيستخدم بعضهم المدفعية ضد الرقة.

معركة النفوذ


وللمرة الأولى في الحرب السورية، تتشكَّل معركة النفوذ على الأرض أساساً على أساسٍ سياسي. فدعت روسيا وتركيا، الحليفتان على مدار معظم السنة الماضية 2016، هذا الأسبوع القوات السورية للعودة إلى المنطقة المُضطربة نفسها بالقرب من الحدود التركية، حيث توجد الآن القوات الأميركية.

وتنظر المعارضة السورية، وفقاً للصحيفة البريطانية، إلى الخطوة باعتبارها مسماراً أخيراً في نعش الجهود التركية المتراجعة لدعم قضيتهم. وأقنع سقوط حلب، الذي بقيت أنقرة صامتةً خلاله، والتحوُّل من قتال القوات الموالية للنظام إلى التركيز الحصري على داعش، قادة المعارضة بخسارة المعركة في الشمال. ويُنشئ ذلك التحوُّل أيضاً إعادة اصطفافٍ سياسي يُشكِّل بدوره نظاماً إقليمياً جديداً، يتوزَّع فيه النفوذ أساساً بين تركيا وإيران، وتضمنه روسيا.

وتقول المجموعات المعارِضة إنَّ رسالةً تركيةً جديدة قد أُرسِلَت: العدو المشترك لكلٍ من النظام والمعارضة يجب أن يكون الآن هو الهدف المشترك لكلٍ منهما. وفي شمال سوريا، أصبحت الحقيقة واضحة أمام مجموعات المعارضة. فقال سعيد الشيخ، المُقاتِل المُتمرِّس في صفوف المعارضة منذ 5 سنوات: "خسرنا الآن قضيتنا. فمن دون تركيا وقطر ليس لنا من نصير. والحقيقة هي أنَّ الوضع كان كذلك حتى قبل سقوط حلب"، حسبما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية.

ومنذ منتصف 2012، كان مركز معركة المعارضة في شمال سوريا هو غرفة عمليات، تُعرَف باسم غرفة العمليات العسكرية (MOC)، في قاعدةٍ عسكرية بمدينة أضنة التركية. ومن هناك، مُرِّرت أسلحة مصدرها أساساً أوروبا الشرقية إلى وحدات المعارضة السورية، التي دقَّقت في ملفاتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، بالتعاون مع الاستخبارات التركية. وعبر قادة المعارضة بصورة منتظمة الحدود؛ للضغط على الأتراك والأميركيين من أجل أسلحة أكبر وأفضل، لكنَّهم عادوا، في أغلب الأحيان، إلى سوريا خائبي الأمل.

وقال أحد قادة المعارضة السابقين، الذي ترك المعركة في يوليو/تموز الماضي ويعيش الآن في جنوب تركيا: "كان الأميركيون دوماً هم من يقولون لا. وكانوا يكتفون بتقديم الرصاص والبنادق. لكن انتهى كل شيء. لم يكن بإمكاننا أبداً أن ننتصر في حربٍ بتلك الطريقة. لكن كنا لا نزال نأمل أن نستولي على أسلحةٍ من النظام بدلاً منهم. وبعد ذلك، غيَّرت تركيا موقفها".

وعلى الرغم من أنَّ غرفة عمليات الموك واصلت العمل طوال عملية استعادة حلب التي قادها الروس والإيرانيون، أخبر مسؤولون صحيفة الغارديان بأنَّ الغرفة الآن ترسل أسلحةً أقل كثيراً إلى داخل سوريا. وتأتي تلك الأسلحة التي تصل، وهي أسلحة تعود للحقبة السوفييتية من صربيا وبلغاريا، مرفقةً بتعليمات بأن يتم استخدامها فقط في قتال داعش.

وكان إسقاط الطائرة المقاتلة الروسية أواخر 2015 أمراً محورياً في التغيير الكامل لموقف تركيا؛ إذ سُمِح للقادة الأتراك باستخدام القوة المُميتة ضد الطائرات الروسية التي كانت تُحلِّق بانتظام قريباً من الحدود السورية الشمالية، أو تتجاوزها (إلى داخل تركيا)، على مدار عدة أسابيع سابقة، بعدما نشرت موسكو قوة تدخُّل في الشمال لدعم الرئيس السوري المُتعثِّر. فقد توصَّلت روسيا وإيران إلى قناعةٍ بأنّ الأسد كان على بُعد أسابيع من فقدان السيطرة على البلاد، وخسارة الحرب.

واشتعل غضب فلاديمير بوتين طوال الأشهر الستة المقبلة، فمنع السياح الروس من السفر إلى تركيا، وعلَّق صفقات تجارية، وزاد الاتصالات مع الأكراد في شمال سوريا. ونظرت أنقرة طويلاً للأكراد باعتبارهم امتداداً لحزب العُمال الكردستاني، وهو تهديدٌ لحدودها أكبر حتى من داعش، ونُظِر لتحرُّكات الروس باعتبارها استفزازية للغاية.

ثُمَّ جاءت الانفراجة التي غيَّرت كلاً من المزاج الثنائي بين البلدين ومصير الحرب السورية. ففي أبريل/نيسان الماضي، وفي ظل تعرُّض جماعات المعارضة للقصف شبه اليومي من المقاتلات الروسية، قال بوتين إنَّه يدعم وحدة الأراضي السورية. راق ذلك للرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ لأنَّه كان يعني أنَّ روسيا لن تدعم طموحات الأكراد الساخطين. ورأى أردوغان هذا الإقرار بمثابة ضمان للسيادة التركية، التي اعتقد أنَّ الأكراد يُمثِّلون تهديداً مباشراً لها أكثر من داعش؛ بسبب الارتباطات بين الأكراد السوريين والتمرُّد المتواصل جنوب شرقي تركيا.

"اللحظة التي غيرت كل شيء"


وبينما كانت روسيا تُقلِّص صلاتها بالأكراد، كانت الولايات المتحدة تُزيد دعمها للمجموعات نفسها (أي الأكراد). وبالنسبة لأردوغان، كان الحليف الرئيسي لتركيا، (أي الولايات المتحدة)، يغض الطرف عمداً عن أكبر مخاوفها. بينما كانت روسيا، على الجانب الآخر، مُتفهِّمةً لها.

وقال دبلوماسي غربي رفيع إنَّ "تلك ربما كانت اللحظة التي غيَّرت كل شيء. ومن ثَمَّ فصاعداً، تخلَّت تركيا عن حلب للسيطرة على خطر الأكراد. وبدأت في قَصْر مساهماتها على الجانب الإنساني فقط. ومنذ ذلك الحين، كان الانخراط الأميركي في سوريا متواضعاً ومستمراً في التضاؤل".

وفي فبراير/شباط، توجَّه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، مايك بومبيو، إلى أنقرة للتباحث حول الحرب السورية والمعركة ضد داعش مع نظرائه الأتراك. والتقى مسؤولون عسكريون من كلا البلدين كذلك.

وقال مسؤولٌ رفيع شارك في المباحثات، إنَّ "النتيجة تتمثَّل في أنَّه لا يزال من غير الواضح من سيسطر على الرقة حينما تسقط الموصل. فلا يزال الأميركيون يراوغون بشأن الأكراد، حتى رغم المعارضة الشديدة من الأتراك. ويريد الروس أن يقوم الجيش السوري والمعارضة بالأمر، تحت رعايتهم. ولا تعارض تركيا ذلك. ومع ذلك، هنالك أمرٌ واحد أكيد: لم يعد الأسد بحاجة إلى الخشية من المعارضة. فمصيره أصبح بين يدي روسيا وإيران".

وفي هذا السياق، قالت قوات سوريا الديمقراطية، الجمعة 10 مارس/آذار 2017، إن لديها "القوة الكافية" لانتزاع مدينة الرقة من تنظيم "الدولة الإسلامية" بدعم من التحالف بقيادة الولايات المتحدة، في تأكيد لرفضهم أي دور تركي في الهجوم.

وأضافت أنها استبعدت أي دور تركي خلال اجتماعات مع مسؤولين أميركيين الشهر الماضي، لكن تركيا أشارت الخميس إلى أنه لم يُتخذ قرار بعدُ وأن التحالف بقيادة واشنطن قال إن دوراً تركيّاً محتملاً لا يزال محل نقاش.

وقالت جيهان شيخ أحمد المتحدثة باسم قوات سوريا الديمقراطية، في بيان: "عدد قواتنا الآن في تزايد، وخاصة من أهالي المنطقة، ولدينا القوة الكافية لتحرير الرقة بمساندة قوات التحالف".

وكان متحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية قد ذكر في تصريحاتٍ، الخميس، أنه يتوقع أن تصل القوات إلى مشارف الرقة في غضون أسابيع قليلة.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد