كان العام الأول لي في ألمانيا صعباً جداً، مثل غيري من الناس الذين هربوا من براميل نظام الأسد المجرم إلى أرض غريبة ومجتمع لا يشبههم، وما رافق هذه الفترة من ضغوط نفسية ومشكلات وعنصرية أعاقت ما يسمى "الاندماج".
للانتقال السكن مع عائلة ألمانية:
هو القرار الذي نقلني إلى جو مختلف تماماً، لحياة داخل المجتمع في مدينة لايبزغ وليس بجانبه، هو أسلوب مختلف بالحياة يتجاوز جو العائلة واللغة وما فيها من حوارات يومية عن المواقف والفروقات بين المجتمعات والأخبار القادمة من سوريا. لتصل للقوانين الثلاثة للحياة اليومية في المنزل، وهي:
1- لا تلفاز ولا هواتف في غرفة الجلوس:
وهذا القانون يطبق على الجميع بمن فيهم الضيوف، والهدف من هذا المنع حصر توجه الأبناء نحو القراءة.
2- تدوير الجرائد والمجلات في البناية:
وهو الأمر الذي يتفق عليه جميع الجيران في البناية؛ حيث تنتقل الصحف والمجلات كل يوم من منزل لآخر، لتتم دورة كاملة على كل الجيران في البناية.
وهو أمر أكثر من رائع وصول مصادر الثقافة لكل الأفراد بأقل التكاليف، وتعويد الأطفال على القراءة كجزء من الحياة اليومية التي يعيشونها.
3- "لا ترمِ حبة أرز واحدة بالقمامة":
وهو أيضاً قانون يلتزم به جميع أهل البناية؛ حيث يتم تجميع كل المخلفات العضوية القابلة للتحلل، من فضلات الطعام وغيرها، وتوضع في حاويات كبيرة لعدة أشهر حتى تتخمر وتتحلل؛ لتستخدم بعد ذلك كسماد عضوي لتسميد النباتات في الحديقة.
النتائج
لهذا النمط في الحياة ثماره القريبة على الأفراد، والبعيدة على المجتمع بشكل عام،
وتظهر ثمار هذه القوانين لوحدها على الجميع، فالأب هو قاض واسع الاطلاع، وزوجته أو "ماما" كريستينا كما أطلق عليها هي خريجة جامعة تتحدث خمس لغات، مع ولد ما زال في المدرسة وفتاة في السنة الثانية من الجامعة تتكلم الألمانية والإنكليزية والإسبانية والفرنسية.
أما النتائج البعيدة فهي جلية للقاصي والداني، بما نشاهده من تطور وقوة اقتصادية وشركات عملاقة، يستحيل أن تكون في بلد دمرته الحرب، لولا الفرد المتعلم المنضبط الذي هو الأساس لأي عملية نهضة، والذي ليس هو إلا نتيجة للقوانين الأساسية التي يتبناها أفراد المجتمع.
وهنا أنا لا أتحدث كما يتحدث هؤلاء المنسلخون عن أصلهم الذين قدسوا كل جديد وأنكروا واحتقروا تراثهم الأصلي، لا أبداً.. فلكل شعب خصوصياته ومميزاته وتاريخنا شاهد على ذلك، وتلك هي آثارنا لا تزال صرحاً يحكي تقدمنا على أهل الأرض سنين طويلة، ولكني أتحدث ليتنبه جميع اللاجئين للقواعد التي تنظم هذا المجتمع وطريقة عمله على كل الأصعدة، وليعملوا على أخذ كل مفيد مناسب لنا، وليستغلوا هذه الفرصة ليعملوا على التزود بأكبر قدر من المعرفة استعداداً لنهضة شاملة نصنعها غداً عندما نعود.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.