"أنا ابن الإفريقي.." رد طفل لا يتجاوز الأربع سنوات من عمره على الفور، حين سأله صحفي ابن مَن هو؟ تذكرت هذا المقطع الذي بثّ منذ مدة طويلة على القناة الرسمية التونسية بعد دقائق من التقائي بأحب أخوالي إلا بعد غياب طال عدة سنوات في إحدى دول القارة العجوز، حين سألني عن توقعاتي بخصوص مباراة ستجمع النادي الإفريقي والترجي الرياضي التونسي مطلع شهر مارس/آذار.
"من المؤكد أن الإفريقي سينتصر، على الأغلب بهدفين دون مقابل.. أرجو ذلك، طبعاً إن لم يلعب التحكيم دوره في ترجيح كفة الخصم التقليدي كما هو معروف".
"لم يتغير الولد أبداً"، قالها ضاحكاً أمام موجة الحماسة الجارفة التي أصابتني.
"ألا تزال كما عهدتك محباً مخلصاً للجمعية؟" سألته منتظراً تأكيده أن حالته تسوء إلى حد المرض إذا تعرض النادي إلى هزيمة.
"أنت أيضاً لم تتغير خالي.."، قلت هذه الكلمات مبتسماً وسيل من الذكريات يغمرني من كل جانب.
تقول القصص القديمة إن والدي وضعني في لحاف أحمر وأبيض ثم أخذني إلى باب الجديد مقر الجمعية التاريخي للاحتفال بفوز النادي الإفريقي برباعية القرن موسم 1991 – 1992، كنت حينهاً في الثانية من عمري، ولعل ذلك ما جعل منّي مجنوناً حقيقياً بالأحمر والأبيض بكل ما يحملانه من معاني الحب والتضحية والحرية والسلام.
هنا لابد أن أذكر أني احترت حقاً قبل أن أبدأ كتابة المقال في اختيار قائمة الأغاني التي سترافقني في رحلتي بين تضاريس الذاكرة والتاريخ، اخترت أخيراً صوت صباح فخري الضارب بجذوره في الأصالة والجمال، تماماً كالنادي الإفريقي.
عليَّ أيضاً أن أذكر أن أغلب أفراد العائلة متيمون بحب النادي وصباح فخري، يبدو أننا عائلة لا تعشق غير الأصل، ولا تهتم لمن يغير ألوانه كحال المنافس التقليدي.
بالإضافة إلى ثنائية الأصالة والجمال والحفل الذي أقامه عملاق الطرب على شرف النادي سنة 1995، الإفريقي وصباح فخري صرحان أطل منهما على ذكريات الطفولة المليئة بعنصر سماوي أسهم أيما إسهام في تكوين شخصيتي النابضة فلسفة، حباً وفناً.
أقسم أني أتحدث عن وقائع، عن ملامح تاريخية، عن باب الجديد أين يأخذني والدي صباح الآحاد إلى مقهى يحمل اسم الجمعية الحبيبة تعزف فيه على الدوام روائع صباح فخري.
تقول إحدى أغاني الفيراج الشمالي في لهجة دارجة عذبة "عاصمية كاريزما بلاش حدود، عايشة فيا الإفريقي عليها نموت، هذي هدية هذي وصية جدود، نور عينيا بعد رب المعبود.."، وهنا أؤكد أن العاشق بل الفيلسوف الذي كتب هذه الكلمات لم يتحدث عن جمعية رياضية فحسب؛ بل لامس الجوهر وانطلق ليشدو بحب التاريخ، والعائلة، بالتشبث بالهوية، بالرابطة السامية والجمعية في مفهومها العميق.
أخيراً أذكر طرفة حدثت معي ذات مرة حين اندهش أحد أصدقائي لرؤية عشرات الآلاف من المشجعين متجهين صوب الملعب الأولمبي بالمنزه لحضور إحدى مقابلات النادي الإفريقي، فقال مأخوذاً: "ما هذا؟ وكأنه يوم القيامة!".
"لك أن تندهش صديقي، فهو نادي الشعب.. النادي الإفريقي".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.