دفعت الزيارة التي يقوم بها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى عدة دول آسيوية، إلى التساؤل حول الهدف من هذه الرحلة، التي تُعد الأولى لملك سعودي منذ نصف قرن تقريباً، خاصة لإندونيسيا.
ففي هذا الصدد اعتبر جيرالد فايرستاين، مدير مركز شؤون الخليج في معهد الشرق الأوسط، في مقال بمجلة "فورين أفيرز" الأميركية، أن الهدف من هذه الرحلة هو سَعْي الرياض إلى إيجاد بدائل للسياسة الخارجية، إضافة إلى البعد الاقتصادي للسعودية حول رؤية 2030، في مواجهة المزاج المتقلب للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويرى فايرستاين، أن الدول الآسيوية التي يقوم بزيارتها العاهل السعودي ستمثل داعماً للسياسة السعودية حيال "التوغل" الإيراني، خاصة أن أغلبها ذات أغلبية سنية.
وإلى نص المقال:
هناك أسباب عديدة دفعت الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى السفر في رحلة تستغرق شهراً إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، رغم عزوفه عن السفر في معظم الأوقات. فالصين واليابان شريكان اقتصاديان أساسيان، تحتاج السعودية إليهما لتحقيق برنامجها الطموح "رؤية 2030" للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. أما بروناي وإندونيسيا وماليزيا وجزر المالديف فهي جميعاً دول ذات أغلبية سنية، ودول أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، التي يقع مقرها الرئيسي في جدة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. لذلك، فهي تعتبر شديدة الأهمية لجهود السعودية الرامية إلى بناء جبهة سنية موحدة، تتصدى لطموحات إيران في سيادة العالم الإسلامي.
ولكن بلا شك، يوجد سبب ضمني، غير خفي، من جولة الملك سلمان، وهو الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية ستحافظ على مرونتها عندما يتعلق الأمر بتعاملها مع الولايات المتحدة. لقد كان رد فعل الرياض لانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة إيجابياً، فكان سلمان من أوائل القادة الذين بادروا بتهنئة الرئيس المنتخب، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. أما وزير خارجيته، عادل الجبير، فعمل بقوة لإقامة علاقات مع الإدارة الجديدة، وأشاد بها في تصريحات للصحافة وفي المحافل العامة.
ومن جانبها، لم تخفِ إدارة ترامب رغبتها في إعادة بناء العلاقات مع السعودية، التي ذَبُلَت خلال عهد باراك أوباما. كجزء من جهودها لتعزيز استراتيجية احتواء إيران، زادت إدارة ترامب من دعمها لقوات التحالف، التي تقودها السعودية، والتي تقترب الآن من السنة الثالثة من التدخل العسكري في اليمن.
وأعلنت إدارة ترامب عن خطط لرفع بعض القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة إلى السعودية، التي كان قد فرضها أوباما، ولا سيما الذخائر دقيقة التوجيه (ولكن ليس، على ما يبدو، على الذخائر العنقودية). كما تردد أن وزير الدفاع جيمس ماتيس ألمح إلى القيام بجهود أكثر صرامة لاعتراض إمدادات الأسلحة الإيرانية البحرية إلى الحوثيين في اليمن. وفي الوقت نفسه، لم تتضمن قائمة الدول ذات الأغلبية المسلمة "الخطرة"، التي تخضع لقيود جديدة على تأشيرات دخول الولايات المتحدة، السعودية.
ومع ذلك، يخشى السعوديون أن يتحول دعم ترامب إلى نقمة. تعتقد إدارة ترامب، على ما يبدو، أنه بإمكانها استمالة السعودية للموافقة على خطةٍ لحل القضية الفلسطينية وفقاً لشروطٍ تمليها إسرائيل.
وقال المفاوض السابق دينيس روس لصحيفة نيويورك تايمز، في فبراير/شباط الماضي، "المنطق المقلوب هو بسبب ضعف الفلسطينيين وانقسامهم، ولأن هناك علاقة ضمنية جديدة بين العرب السنة وإسرائيل، هناك أمل أن يكون العرب على استعداد لتقديم المزيد من التنازلات". هذه الفكرة تبالغ في تقدير تلاقي المصالح بين الإسرائيليين والسعوديين على أساس الكراهية المتبادلة تجاه إيران. لن تفلح الإغراءات الملحقة بالخطة، كالصفقات الاقتصادية والأمنية، في إقناع السعودية بالتخلي تماماً عن الفلسطينيين. كان الجبير واضحاً وضوح الشمس في أعقاب تصريحات ترامب حول حل الدولة الواحدة المحتمل، أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن، فقد أكد أن السعودية لا تزال ملتزمة بحل الدولتين. وبالتالي، فإن السعودية لن تساند أي اقتراح لا يقدم للفلسطينيين دولة آمنة وذات سيادة، أو على أقل تقدير حقوق المواطنة الكاملة في دولة وحدوية.
ومما لا شك فيه أن السعوديين تزعجهم تصريحات ترامب المزاجية التي يؤكد فيها أن الرياض ستكون على استعداد للقيام بدور الممول الدائم للولايات المتحدة، ولتحمل تكلفة جميع المبادرات الإقليمية التي تتبناها إدارة ترامب، من مناطق آمنة في سوريا إلى الحشد العسكري في مواجهة إيران. فالسعودية لا تمتلك ثروة غير محدودة. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي أنه في عام 2017 سيبلغ الناتج المحلي الإجمالي السعودي نحو 690 مليار دولار. هذا يجعلها على قدم المساواة مع ولاية أوهايو، التي بلغ الناتج المحلي الإجمالي لها ما يقرب من 653 مليار دولار.
تصارع السعودية في مواجهة التحديات الاقتصادية لإيجاد فرص عمل للشباب وتنويع الاقتصاد الذي يتركز بشكل أساسي في قطاع الطاقة. ومن المفارقات أن من خلال الضغط لتخفيض أسعار النفط العالمية، تهدد سياسات ترامب الرامية إلى استقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة بتفاقم التحديات الاقتصادية في السعودية، وتقويض قدرة السعوديين على توفير هذا النوع من التمويل الذي يريده ترامب.
ستحرص السعودية، بلا شك، على إيجاد سبل للتعاون مع إدارة ترامب. إذا نجحت الإدارة في جهودها لإنشاء مناطق آمنة للاجئين السوريين، فإن السعودية غالباً ستوافق على المشاركة في التحالف الدولي لتمويل ذلك، لكنها لن تكون الممول الوحيد (ولن يكون مجلس التعاون الخليجي الممول الوحيد). وبالمثل، فإن المملكة العربية السعودية، التي لديها ثالث أكبر ميزانية دفاع في العالم، وتستهلك ما يقرب من 14% من ناتجها المحلي الإجمالي (مقارنة مع 3.3% في الولايات المتحدة) في النفقات العسكرية، تريد دعم التعزيزات العسكرية في المنطقة على غرار اقتراح ماتيس، لكن السعوديين ليسوا مستعدين لدفع الفاتورة وحدهم.
ونظراً للمأزق الذي وجدت فيه الرياض نفسها مع إدارة ترامب، اضطر الملك سلمان للسفر إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ. فالرياض حريصة على فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع الولايات المتحدة، واستئناف نوع من التعاون الوثيق الذي تميزت به العلاقات المتبادلة لمعظم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. لكن يتعيَّن عليها أخذ الحيطةِ من عدائية ترامب المُحتَمَلة حين يصبح الأمر حتمياً ويجب على الرياض أن تُخبِر ترامب بأن توقعاته متجاوِزةٌ بحقها.
-هذا الموضوع مترجم عن مجلة Foreign Affairs. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.