كل منا يعشق الجميل والجمال، وكل منا ينتشي تحسس البهاء والسناء، ويحب أن تعانق عيناه روعة الخلق وصنع الخالق الجبار، ومن منا لا يكره القبح وخبث البشر وما قد تحمله شرور بعض الأرواح؟
ففي كثير من الأحيان يراودني الحديث الذي جاء عن الإمام مسلم "الله جميل يحب الجمال"، قرأت عنه كثيراً وصادفت خطبه مرات ومرات، وأتساءل في كل حين: كيف للعبد الضعيف أن لا يربت في حضرة الجمال؟
كثيرة هي تجلياته حولنا، فهو جمالٌ ملموس ينقضي ويزول. وآخر غير محسوس يبقى ويدوم.
هو ينجلي على هيئة روح خيّرة وعلى هيئة ابتسامة عذبة خافتة في وجه روح مقابلة، يبدو واضحاً في علة تزيلها عن مكروب، ودمعة تمسحها عن مهموم، هو عمل تقوم به بإخلاص وإتقان، ونية صادقة تحسن بها الظن تجاه الناس والأحباب.
الجمال زهر جميل تتردد قطفه هيبة من فقد جماله، وعين تغمضها مروراً بنهر يخترق مسامعك خرير مياهه، هو هندام أنيق ووجه حسن تعتليهما روح طيبة، هو وجبة فطور يوم عطلة تقاسمها والمحبوب، وهو صباحٌ تبدأه بنفس مشرقة وسلام داخلي.
فقد صدق الشاعر إيليا أبو ماضي في ختام قصيدته "فلسفة الحياة" حين قال: "كن جميلاً ترى الوجود جميلا".. فهو لم يقصد بها قطُّ أن تحمل مقلتين جاحظتين أو قامة منحوتة من الرقبة حتى القدمين، هو يخبرنا أن في المصيبة جمالاً، وفي الشدة جمالاً وفي الصبر الجميل كذاك.
وأنت جميل قلباً بغض النظر عن القالب، تتغاضى عن عيوب الناس وتبحث صفات الجمال والكمال في أناس تختلف معهم، وفي أخرى قد تُكِنّ لك مشاعر البغض والحقد والحسد، وتبحث عن شيء من ذاك الجميل الذي يندسّ في ثنايا أرواحهم تشفع لهم ما بدر عنهم من خبث وأديَّة.
الجمال صوت أمي وهي تحاكيني وتغدق عليَّ برضاها مهما بعدت المسافات وامتدت البحار، هو صديقان صدوقان وفيَّان لعهدٍ جمعهما قديماً معاً، هو زوجان شبّا وشابا معاً، ضحّيا من أجل بعضيهما، تعاركا وتسامحا وكانا السند لكليهما عند الشدة ووقت الرخاء، وهو ذاك السلام الداخلي الذي تعكسه سجيتك.
كن جميلاً حتى ترى الوجود جميلاً، فالعالم حولنا يضج بحروب ومآسٍ وجرائم تكاد تنسينا بعضاً من النعيم الذي نرسو فوقه.
كن جميل الباطن قبل الظاهر، فثراء الثوب لا يزيد من بهاء حلة ترتديها روح خبيثة.
كن جميلاً، باسم الثغر، مشرق المحيا، طيب الخلق، نظيف القلب، وسموح النفس وحسن السيرة حتى تكف بسريرتك شر إبليس إنسيّ يتربص بك.
كن جميلاً على طبيعتك، غير مقلِّد لغيرك، ولا متصنع لشخصك.
كن جميلاً لتتذوق نعيم الرضا بقضائه تعالى، وتبلغ الحكمة من منحه ومنعه.
كن جميلا ترى الوجود جميلاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.