الكوميديا الإلهية.. في بلاد العرب وفارس

صراع الإنسان من أجل السلطة قديم، قدم التجمعات الإنسانية الأولى، ولكن الصراع السياسي بدأ عند نشوء الدولة، وظل مستمراً إلى يومنا هذا، ولكن التمدن وتطور العلوم السياسية دفعا إلى وضع قواعد وأصول تنظم هذا الصراع، حتى أصبح صراعاً سلمياً يتم وفق قواعد ديمقراطية متعارف عليها، إلا أن النزاعات المسلحة من أجل السلطة السياسية بقيت مستمرة في الدول المتخلفة، البعيدة عن المدنية والتحضر.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/06 الساعة 01:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/06 الساعة 01:14 بتوقيت غرينتش

صراع الإنسان من أجل السلطة قديم، قدم التجمعات الإنسانية الأولى، ولكن الصراع السياسي بدأ عند نشوء الدولة، وظل مستمراً إلى يومنا هذا، ولكن التمدن وتطور العلوم السياسية دفعا إلى وضع قواعد وأصول تنظم هذا الصراع، حتى أصبح صراعاً سلمياً يتم وفق قواعد ديمقراطية متعارف عليها، إلا أن النزاعات المسلحة من أجل السلطة السياسية بقيت مستمرة في الدول المتخلفة، البعيدة عن المدنية والتحضر.

ما يهمنا هنا هو دخول الحركات الإسلامية لمعترك الحياة السياسية الحديثة في منطقتنا العربية وما جاورها، خلال القرن العشرين وما بعده، ولعل تنظيم الإخوان المسلمين يعد أول تنظيم إسلامي يدخل للحياة السياسية في الدول العربية المعاصرة؛ حيث تأسس عام 1928 في مصر على يد حسن البنا، وقد حاول المشاركة في السلطة منذ بداية نشأته، إلا أنه اتخذ منحى عنيفاً للاستيلاء على السلطة بالقوة بعد أن وضع سيد قطب الأسس الأيديولوجية للجهاد والعنف في مواجهة المجتمع والأنظمة السياسية في مصر وغيرها، وذلك في كتابه (معالم في الطريق) الذي صدر عام 1946، وهو يمثل الأساس الأيديولوجي للراديكالية الإسلامية، والإسلام السياسي إلى يومنا الحاضر،

وقد ساعد هذا المنهج كلاً من الإخوان المسلمين والقاعدة وحزب الدعوة وداعش فيما بعد لبناء العقيدة السياسية المبنية على استخدام القوة في العمل السياسي للاستيلاء على الحكم، تحت ذريعة تطبيق الشريعة أو الإسلام هو الحل أو دولة الخلافة، كما أن الثورة الإسلامية في إيران ونظرية الخميني في تصدير الثورة، قد أثبتت نجاح استخدام القوة في العمل السياسي الإسلامي للاستيلاء على الحكم، وفرض العقائد الدينية المتطرفة على الناس ونشرها، وقد حاول صدام حسين التصدي لهذا التهديد، حفاظاً على نظام الحكم في العراق، وساعدته بعض الحكومات العربية والدولية، إلا أن الخروج من الحرب بنتيجة لا غالب ولا مغلوب قد دفع الأميركان والغرب إلى إعادة النظر في سياستهم في المنطقة، من خلال نظرية احتواء الثورة الإسلامية في إيران، واستخدامها لتحقيق أهدافهم بدلاً من محاربتها التي لم تجد نفعاً.

وقد كان حصار العراق ثم احتلاله عام 2003 جزءاً من هذا المخطط؛ حيث استثمرت أميركا المد الإسلامي في المنطقة فوضعت نموذجاً لنظام الحكم في العراق يعتمد أساساً على التقسيم الطائفي، تمهيداً لجر المنطقة إلى حروب طائفية تستطيع أن تنهي المد الإسلامي الآخذ بالنمو والاتساع، وهكذا تم التمهيد لمد الجسور للجمهورية الإسلامية للتمدد في العراق وفي سوريا؛ لتكون العنصر الأساسي لمواجهة هذا المد عن طريق إشعال فتيل الحروب الطائفية في المنطقة.

وربما لم تنتبه إيران إلى هذا المخطط، أو ظنت أنها قادرة على استثمار الفوز والتعاون مع الغرب لمد نفوذها وتصدير الثورة إلى الدول العربية باسم الإسلام، وقد تم استدراج إيران منذ بداية المفاوضات النووية إلى هذه المؤامرة الخطيرة، وإذا بالمفاوض الإيراني يقع في الفخ الأميركي.

وقد ظن البعض أن الاتفاق النووي قد جاء نتيجة ذكاء المفاوض الإيراني، إلا أنه في الحقيقة كان الطعم الذي ابتلعته إيران، والذي أدى إلى استنزاف مواردها المالية والإنسانية في مواجهة الإسلاميين من الطائفة الأخرى في العراق وسوريا واليمن وغيرها، خصوصاً بعد أن تم توظيف داعش الابن البار للراديكالية الإسلامية لشيطنة المعارضة الإسلامية، واتخاذها عدواً عنيفاً وإرهابياً مصطنعاً للعراق، وليظهر بمظهر الند المقابل للمد الإيراني في المنطقة، أو هكذا كان يبدو من الإعلام الزائف والفضائيات الكثيرة، في حين أن داعش لم تتعرض يوماً لا إلى إيران ولا إلى إسرائيل، وهذا الأمر من المسائل الغريبة والمحيرة فعلاً، ويبدو أن هناك تفاهمات تحت الطاولة قد جرت بهذا الصدد.

لقد اشتد الصراع في العراق وسوريا بين الإسلاميين والمعارضة وبين الفئات الموالية لإيران في لبنان وسوريا والعراق، ودخلت السعودية وقطر في النزاع من خلف الكواليس، ثم تدخلت تركيا بذريعة مكافحة الإرهاب، حتى وصل الأمر إلى طريق مسدود تعذر معه إحراز انتصار عسكري حاسم، حتى دخلت روسيا كطرف فاعل في هذا الصراع، ولكن إيران ظهرت بمظهر العدو الشرس للدول العربية من خلال تهديدها للوجود والأمن العربي، حتى صارت العدو الأول، وهذا جزء من المخطط التآمري أيضاً؛ حيث تم تحويل الصراع في المنطقة من صراع عربي إسرائيلي إلى صراع عربي إيراني، وهذا هدف بحد ذاته يضاف إلى الأهداف الأخرى في محاربة المد الإسلامي عن طريق دفعه باتجاه العنف والإرهاب تارة، وعن طريق الحروب الأهلية بين الطوائف الإسلامية تارة أخرى.

ولما بدأ العنف الإسلامي بالانتشار حتى وصل إلى أوروبا وأميركا، والخشية من أن يصل إلى إسرائيل، جرى العمل على تهدئة اللعب، وحان وقت المساومات وإخماد الحرائق في سوريا والعراق واليمن، فبدأ تدجين المعارضة السورية بإدخالها في المفاوضات وقبلها تهجير الأهالي من المناطق الساخنة في العراق لإجبارهم على قبول النتائج مهما كانت، ومن ثم القضاء على داعش في العراق، وفي الجانب الآخر يتم الضغط على إيران من خلال التهديدات المستمرة من قِبل واشنطن بعد مجيء ترامب إلى البيت الأبيض، كما تجري محاولات لفض التحالف الروسي الإيراني في سوريا.

وهكذا ستنتهي اللعبة بعد أن أكلنا الطعم جميعاً؛ الدول العربية والمعارضة وإسلامياتها المشيطنة والعنيفة، وكذلك إيران وثورتها المصدرة إلى هذه الدول، والحكومات والأحزاب التابعة لها.. فتم تنفيذ المخطط المرسوم بالتمام والكمال وبأيدي لاعبين محليين.

إلا أن المسرح ما زال مفتوحاً ولم تسدل الستارة بعد؛ إذ إن مشاهد مسرحية أخرى في انتظار العرب وإيران تمهيداً لإسدال الستار على مرحلة عنيفة ومرعبة من الصراع الإسلامي – الإسلامي، والصراع العربي – الإيراني؛ لتعود إيران إلى حدودها السابقة المرسومة لها في عهد الشاه، ويعود العراق إلى الاستقرار ليعاد بناؤه مجدداً، وكذلك سيتم حسم الأمور في سوريا واليمن بطريقة أو بأخرى، بما يحقق مصالح أميركا وإسرائيل في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد