لم يدمر الحضارة العربية والإسلامية إلا المسلمون العرب أنفسهم، وحتى إن سلَّمنا وقلنا إن مَن دمرها هم الغربيون و"الملاحدة"، كما يقال، فلن نستطيع إنكار أن من أعطاهم الفرصة لذلك هم العرب المسلمون لا غير، فنحن لن ننكر أنهم هم مَن اتبعوا الطغاة، وساندوهم، ولن ننكر أنهم هم مَن حاربوا الثائرين الأحرار، وهم من ساروا وراء الخرافات والدجل، وهم أنفسهم من خالف كل وصية أوصاهم بها نبيهم، وهم من خالفوا كتابهم المنزل، ولم يحارب العلماء ويكفرهم ويقضي على فكرهم إلا هم، وما دمنا لا نستطيع إنكار ذلك، فلن نستطيع إنكار أن العرب المسلمين هم من يقودون أمتهم للهلاك، لا غير، فمن يتبع الجهال، ويحارب الحكماء والعارفين، لا بد أن يكون هو سبب الدمار!
لن ننكر أن مَن نفي ابن رشد كانوا عرباً مسلمين، وهم مَن أحرقوا كتب ابن سينا، وقتلوا السهروردي، وكفروا ابن الهيثم وجابر ابن حيان، وجلدوا الكندي، وزندقوا الفارابي، وبعد أعوام عديدة، ندموا على ما فعله أجدادهم بالعلماء، وتبرأوا من أعمالهم تلك، إلا أنهم يقترفون نفس الخطأ من جديد دون أن يفقهوا أو يعترفوا، فهم من كفّروا المفكر أبو زيد، وحاولوا تفريقه عن زوجته، حتى أجبروهما على المنفى، وهم من طعنوا نجيب محفوظ بعنقه، وهم من يحاربون كل عالم ومفكر يسعى لتحسين الواقع المرير الذي تمر به الأمة، يحاربون كل شخص له القدرة على إنقاذها من الهلاك والانهيار، فها هم اليوم يشنون حربهم على أحد هؤلاء الأشخاص بكل ما أوتوا من قوة، محاولين أن يقضوا عليه، فهم اختاروه بعد أن علموا أنه شخص تعلقت فيه آمال بعض من يود نجاة أمته.. وهذا الأمل كان المفكر والكاتب الروائي الكبير يوسف زيدان..
في كل فترة، تظهر حملة تسقيطية جديدة، محاولة استهداف هذا الكاتب، وغالباً ما يتهمونه بسرقة الروايات، مع أن من يقرأ للدكتور، يعرف جيداً أسلوبه وقدرته وتصويره وسرده، ومن قرأ رواياته يعرف جيداً أن من كتب عزازيل هو ذاته من كتب محال وغوانتانامو ونور والنبطي، فأسلوبه واضح، وطريقته لا يختلف عليها اثنان، وأثبت كل المختصين المنصفين أن رواياته لم تسرق بتاتاً من الروايات التي يُتهم بسرقتها، إلا أن بعض الحاسدين والمبغضين، أو الكارهين المتعصبين، لا ينفكون عن شن هذا الاستهداف، فهم بين حين وآخر تراهم قد أطلقوها مجدداً، حتى تظن أنهم خصصوا موسماً سموه موسم استهداف يوسف زيدان!
شن هذه الحرب كان طبيعياً، ومتوقعاً، فيوسف زيدان تميز بأنه شخص يكشف الحقائق، ويقول بما يؤمن، وهذا في مجتمعاتنا أمر مكروه، فقد تميز المجتمع العربي برفضه لكل حقيقة تُكشف، ومحاربته إياها؛ لأنه يفضل العيش بالأوهام والخرافات والكذب، وحين كشف يوسف زيدان بعضاً من الحقائق التاريخية، انتفضوا عليه، وعادوا أيضاً لمنهجهم السابق، فبعض كفره، وبعض زندقه وفسقه، وبكافة الوسائل جلسوا يحاربونه، كما إن كره تبني الخطاب الديني أو السياسي الجديد في أمتنا عزز هذا الحقد والاستهداف، ناهيك عن آرائه السياسية تجاه الطغاة، والمتعصبين الإرهابيين، التي أثارت غضب العبيد، والأتباع، ونظرته تجاه الأخطاء التاريخية التي فعلها "قادة" الأمة سابقاً، والتي يحاول أن يصححها، أيضاً لم تعجب الكثير والكثير، وها هو الكاتب يُعامل كما عومل سابقوه من العارفين، إلا أن اختلاف الزمان، اختلفت به الطرق، هم ينادون الآن "هلموا بنا نقتله"، ويسعون إلى ذلك من خلال الاستهداف الإعلامي المشين هذا، لكنهم لن يفلحوا أبداً.
إن الاستمرارية بالتعلق بأزمة الوعي تشكل خطراً فعلياً على الأمة وبقائها، وما التخلف الذي نمر به، والرجعية، والدمار إلا بسببها، ومحاربة الدعاة إلى الوعي والفكر، ما هي إلا دليل على استفحال تلك الأزمة، والمشكلة ليست بالحساد المستهدفين، بل باتباع بعض أفراد المجتمع لهم، وتأييدهم لهذه الحملات، دون أن يطلعوا أو يتفكروا أصلاً، وما سبب ذلك إلا الجهل المنتشر الذي يحاربه يوسف زيدان، فإما أن نقضي عليه، أو هو من سيقضي علينا، ونحن بحاجة للقتال المعرفي لأجل الوعي ورجاله، وألا نسكت على من يحاربه كما فعل سابقونا، ومن يدعي حبه للعروبة والإسلام، فعليه أن يقف مع مَن يسعى لبقائهما، عليه أن يقف مع من يتبنى خطاباً واعياً حكيماً، لا مع من يصر على التطرف والرجعية والإجرام، وعليه أن يقف بوجه المزايدات والمهاترات التي تهدف لمحاربة العقل الواعي، وأن لا يزندق كل مَن تمنطق، وعليه أن يثبت صدقه بذلك، وأن لا يتبع منهج الداعشية بطرق خفية أو معلنة، ونصرة الدين والأمة لن تتم إلا بذلك، أما الأفعال الأخرى، فالتاريخ قد اعترف بأنها لن تنفع، وها نحن نرى المردودات السلبية التي سببتها أخطاء الماضي الشبيهة بما يُقترف في الحاضر، وعلينا أن نقف مع الأمل لا أن نحاربه!
أن يسخر البعض جهوده ليستهدف هذا الشخص، وأن تستنفر وسائل إعلامية للمشاركة بهذه الحملات التسقيطية، ما هو إلا دليل على نجاح الدكتور، ومقدرته على التغيير والبناء، فهي في أمتنا صارت شبه قاعدة؛ كل من له القدرة على البناء والتحسين، يحارب، فكم من حكيم ظُلم، وكم من قادر استُهدف وحورب! وهذا الاستهداف يدل على تمكنه من أن يطور أمتنا، ويمضي بها نحو الازدهار، ونتمنى ألا تؤثر هذه الحملات على مسيرته.
يوسف زيدان يمثل بالنسبة لي موسوعة معرفية، ألجأ إليها دوماً، وبالرغم من بعد المسافات، فإنني تعلمت منه الكثير، واستطعت بفضله أن أقتل العديد من الخرافات التي كانت تتملكني، من خلال مؤلفاته ومقالاته، ومحاضراته المصورة، ومنشوراته على مواقع التواصل ولقاءاته التليفزيونية، بل وحتى من الأسئلة التي يطلقها في الفيسبوك، وها أنا أعتبر نفسي تلميذاً يسكن العراق، لمعلم يسكن مصر، بالرغم من أني لم أتواصل معه أو أحدثه، أو أزُر بلاده حتى اللحظة، وأنا متأكد أن هناك الكثير مثلي، في كافة بلدان العرب، وخارجها، وما كتبت هذه الكلمات إلا لأخبر أولئك الفاشلين بأنهم مهما فعلوا، ومهما استهدفوا، لن يتمكنوا من التأثير عليه، ولنقول لهم: إن فكره سيظل منتشراً، وسيبقى هو الأفضل بالنسبة لنا رغماً عنهم، ويظل نوره مشعاً، وبالتأكيد لن تتمكنوا منه، ويوسف زيدان لن يموت، فمن يكتب لا يموت.
ولصاحب عزازيل، كل الشكر والاحترام والتقدير.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.