تُصوِّر "القاعدة" الأمر على أنَّ الغرب مُنخرِطٌ في حربٍ وجودية مع الإسلام. وهذه هي الطريقة التي يُبرِّر بها التنظيم عنفه وأيديولوجيته الأصولية. والآن، وجد التنظيم شخصاً غربياً يدعم رؤيته تلك: كبير المُخطِّطين الاستراتيجيين لترامب، ستيف بانون.
زيَّن بانون غلاف أحدث أعداد صحيفة "المسرى" المرتبطة بـ"القاعدة". وتُعَد تلك الصدارة، كما قالت الباحثة بجامعة أوكسفورد، إليزابييث كيندال، لموقع "Quartz"، أمراً "لافتاً".
وركَّز التقرير على وجهات نظر بانون إزاء الإسلام، قائلاً إنَّه يعتقد أنَّ "قوى الإسلام لا يمكن إيقافها بالوسائل السلمية". ونقلت الصحيفة ذلك عن محادثةٍ أجراها بانون مع صحفي دنماركي في مايو/أيار 2016. وقالت أيضاً إنَّ بانون يعتقد أنَّ الصراع هو في حقيقة الأمر بين المسيحية والإسلام، وليس الإسلام والغرب فحسب. وأشارت إلى أنَّ بانون "فقد الثقة في أوروبا العلمانية، ويرى المهاجرين المسلمين مسؤولين جزئياً عن تراجع القيم المسيحية التقليدية".
ومثل مستشاري ترامب (ومستشاريه السابقين) الآخرين، تحدَّث بانون علناً عن تلك الأفكار. ففي 2014، ألقى كلمةً أمام الفاتيكان عبر تطبيق سكايب قال فيها: "إنَّنا الآن، كما أعتقد، في المراحل الأولى من الحرب العالمية على الفاشية الإسلامية". وفي مناسبات أخرى، أشار إلى أنَّ "الغرب المسيحي اليهودي" في حالة حربٍ مع "الأيديولوجية الإسلامية التوسُّعية".
وفي برنامجه الإذاعي في 2015، دعا إلى وقفٍ كامل للسماح بدخول المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة. وخلال أحد البرامج الأولى في راديو "Breitbart"، في بدايات نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أثنى بانون على الحركة المتنامية في بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي. وقال إنَّ البريطانيين انضموا إلى الاتحاد الأوروبي لمجرد اعتباره اتحاداً تجارياً، لكنَّه نما إلى أن أصبح قوةً جرَّدت البريطانيين من سيادتهم" في كل الجوانب المهمة لحياتهم". وكان بانون داعماً لحركاتٍ شبيهة تسعى للخروج من الاتحاد في بلدان أوروبية أخرى.
وقالت كيندال: "تشير حقيقة أن تضع صحيفة المسرى تلك الصورة البارزة للغاية على صفحتها الرئيسية، كمقالٍ رئيسي، إلى أنَّ لديها اعتقاداً بأنَّ تلك تُعَد طريقةً لنيْل الدعم. فهي تدعم تماماً سرديتهم بأنَّهم كانوا على حق في أنَّ حرب الغرب كانت على الإسلام طوال الوقت. ويظهر لنا ذلك كم تحاول القاعدة استغلال بعض سياسات إدارة ترامب".
صحيح أنَّ المتشدِّدين الإسلاميين يحبون ترامب كثيراً، فخطابه، كما يقولون، يُمثِّل دعاية وأداةً مفيدة في التجنيد. وفي ليلة الانتخابات، احتفى المتطرِّفون الإسلاميون حول العالم بفوز ترامب، وأشاروا إلى أنَّ ذلك قد يكون مؤشِّراً على حربٍ أهلية. وبحسب مجموعة "SITE Intellegence Group" للمعلومات الاستخباراتية، قالت شبكة المنبر الإعلامي الجهادي التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش): "افرحوا بدعمٍ من الله، وأبشروا بزوالٍ وشيكٍ لأميركا على يد ترامب. سيجلب فوز ترامب بالرئاسة الأميركية عداء المسلمين لأميركا نتيجةً لتصرفاته الطائشة، التي تظهر كراهيته الخفية والعلنية لهم".
وقالت مديرة موقع "SITE"، ريتا كاتز، لصحيفة "يو إس إيه توداي" الأميركية، إنَّ "أنصار القاعدة وداعش قالوا إنَّ فوز ترامب يُظهِر كراهية أميركا للمسلمين. وربطوا الأمر بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأشاروا إلى أنَّ ذلك سيؤدي إلى انهيار الغرب".
10) Jihadists continue discussing #Trump, circulating pics of Quranice verses & Hadiths regarding tyrants, mocking Muslim voters pic.twitter.com/vtqwz4tTnf
— Rita Katz (@Rita_Katz) November 9, 2016
وقالت ريتا في تغريدة لها في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 2016: "يواصل الجهاديون النقاش حول ترامب، ويتداولون صوراً لآياتٍ قرآنية وأحاديث تتعلَّق بالطواغيت، ويسخرون من المسلمين الذين شاركوا في التصويت".
3)#AQ & #ISIS supporters on election: #Trump exposes #US's hatred of Muslims,will contribute to America/West's downfall–likening to #brexit
— Rita Katz (@Rita_Katz) November 9, 2016
وقالت في تغريدةٍ أخرى بنفس التاريخ: "أنصار تنظيمي القاعدة وداعش حول الانتخابات: ترامب يظهر كراهية الولايات المتحدة للمسلمين، وسيسهم ذلك في في سقوط أميركا والغرب، ويربطون ذلك بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
ومنذ ذلك الحين، تصدَّرت أميركا وسائل الإعلام الجهادية بصورةٍ أكبر. وتتبَّعت صحيفة "المسرى"، على وجه الخصوص، التطورات في أميركا بصورةٍ وثيقة للغاية منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016 (عندما فاز ترامب). ولفتت كيندال إلى أنَّ إصدار فبراير/شباط 2017 من صحيفة المسرى قد ذكر أميركا مرتين، مقابل مرة واحدة في عدد يناير/كانون الثاني 2016.
وقالت كيندال لمدوَّنة أخبار "Think Progress" الأميركية إنَّ "ترامب قد أوجد طفرةً في اهتمام الجهاديين المتشددين بأميركا، كان هناك تركيز على أميركا في السابق، لكنَّه كان يتوزَّع أيضاً على الشيعة في اليمن، والعراق، وحتى سوريا، لكنَّ هذا قد أعاد التركيز بصورةٍ واضحة على أميركا نفسها".
وفي الواقع، كان هناك الكثير من الأمور لتغطيتها، إذ تشير البيانات من منتديات النقاش الجهادية إلى أنَّ أنصار "داعش" قد أيَّدوا حظر السفر، لأنَّه يمكن أن يُستخدَم في تعزيز فكرة أنَّ الغرب يشن حرباً على الإسلام. وقال تشارلي وينتر، الزميل البارز في المركز الدولي لدراسة التطرُّف والعنف السياسي بكلية كينغز كوليدج في لندن، لشبكة CNN الأميركية: "إنَّ ذلك أكثر فعالية من أي مقطع فيديو أو وسيلة دعائية أخرى".
لكنَّ ستيف ستالينسكي، الذي يدير معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط، يقول إنَّ المتعاطفين مع الإرهابيين ظلّوا يروِّجون لنفس الفكرة، أنَّ الغرب يكره الإسلام، على مدار عقود.
وقال ستالينسكي إنَّ الناس يقولون إنَّ ترامب يُظهِر حقيقة أميركا. لكن لا شيء جديد. فقد كانت تلك المشاعر نفسها موجودةً في ظل حكم أوباما، على الرغم، كما يقولون، من أنَّ خطابه كان أقل إثارةً. وقال ستالينسكي: "سيفضِّلون ترامب على أوباما، الثعبان الذي يُخفي نواياه". ويقول المتعاطفون مع الإرهابيين "إنَّنا مُمتنون لوجود ترامب الذي يزيل قناع أوباما".
وكما يقول ستالينسكي؛ تُعد الرسالة: "هنالك أحمق جديد في البيت الأبيض". لكنَّه يحل محل أحمق آخر فحسب. ويظل الهدف، "في إشعال الأرض تحت أقدام أميركا"، هو نفسه لا يتغير.
-هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.