القصة "1"
وقفت قبالة المرآة وشرعت تتحسس ما تركته الأيام من أثر فوق جبينها وعند ملتقى جفنيها.
أخبرتني بأن نوعاً من الخوف بدأ يعتريها، وهي تعد الأيام في انتظار بلوغ الثلاثين من عمرها، لم يكن يفصلها عن ذلك سوى سنة أو بعض السنة.
ضغط من العائلة وضغط أكبر من مجتمع لا يرحم، فلم تجد أمامها خياراً سوى أن تتصل بصديقتها وتخبرها بأنها موافقة على الالتحاق بإحدى المجموعات "الفيسبوكية" التي تهدف إلى إنشاء مشاريع زواج بين الراغبين فيه، حكت لي كيف أن الراغب في الزواج يضع منشوراً على المجموعة، يعلن فيه عن اسمه وسنه ونوع العمل الذي يقوم به، ثم هناك من قطع أشواطاً كثيرة ليصل به الأمر إلى التصريح بممتلكاته (أملك سيارة من نوع كذا وشقة في حي كذا وأتلقى أجراً قدره كذا) بعد ذلك تنهال عليه التعليقات من كل صوب وحدب، فتيات أعجبن بـ"ممتلكاته وصورته"، فتيات خِلنه مصباح علاء الدين الذي سيلبي متطلباتهن المستقبلية وأخريات كن يأملن فقط في العثور على شخص يثبت براءتهن من تهمة "العنوسة" التي صارت تلازمهن كاللعنة، يتلقى تعليقات من نوع "مهتمة" تكتبها له كل من أعجبتها السلعة التي عرضها وبعد ذلك ينتقلون إلى مرحلة التعارف، ومن ثم الإقصائيات فالنهاية.
قالت رباب: "كنت أيضاً ممن اقترفن تعليقاً من ذلك القبيل وتعرفت على شاب لم أعرف عنه آنذاك سوى القليل.. ثم تزوجنا، لم أختَره بل الفيسبوك من فعل ذلك".
القصة "2"
رغم كل شيء، رغم صخب وزحمة الحياة وافقت "رشا" على إخباري بقصتها، جلست قبالتي تحادثني بابتسامة دؤوبة زيَّنت ما بقي على قيد الحياة من ملامح وجهها: "كنت في الخامسة عشرة من عمري آنذاك، أخبروني بأنه رجل ميسور الحال، وأنه سيضمن لي العيش الكريم بل إنني سأكون سعيدة معه (لم أستطِع يوماً أن أستوعب كيف لأناس أن يسمحوا لأنفسهم بالجزم في أمر سعادة الآخرين)، علاوة على كل الصفات السالفة، أضافوا أن عمره سيجعله يتحرى الروية والنضج في معاملته لي، وليس كما يقترفه شباب اليوم من استهتار.
* ما هو فارق السن بينكما؟
– أجابت: "الطريق الفاصل بيننا طويل جداً، عشرون سنة، رأيتها كافية بأن تشيد سوراً حصيناً يحجب عقلينا وقلبينا عن بعضهما البعض، لكنهم كانوا ينظرون إلى العشرين سنة كوصل أمانة يضمن أن هذا العريس لن يتصرف بطيش، وأن يكون ولي أمري بالمعنى الحرفي للكلمة.. فكرت للحظة بأن عليَّ فعل شيء ما لكي لا يتم الأمر، استجمعت قواي لأرفض حكمهم القاسي، تبعثرت الحروف في حنجرتي ثم التحمت مرة أخرى، لكنها في آخر المطاف خرجت على شاكلة "نعم موافقة".. كيف لي أن أرفض وأنا الفتاة التي تخلَّى عنها أبوها وهي ما زالت رضيعة، ليؤويني بيت أخوالي بعدها؟! كيف لي أن أواجههم بالرفض؟ لم يكن لي سند وأنا الطفلة الضعيفة، كان لهم ما أرادوا وزجّوا بي إليه.. لم أختَره بل الظروف هي من فعلت".
القصة "3"
– "لا تدعي في يوم من الأيام قراراتك عرضة لغيرك!".. هكذا استهلت "منى" كلامها، وهي تحكي لي عن قصة زواجها: "كنت وصديقاتي جد مرتبطات ببعضنا، كنا نتقاسم أدق التفاصيل حتى تلك المرتبطة بحياتنا الشخصية، في السابق تقدم لي بعض العرسان وفي كل مرة كنت أشاور صديقاتي حتى أتمكن من اتخاذ قراري، ليس ضعفاً مني، ولكنني وضعت فيهن ثقة أكبر من اللازم، أو ربما كان ضَعفاً؟ على أي، في كل مرة كن يعرين عيباً من عيوب العريس ويختمن بكونه لا يستحقني، فهو مثلاً لا يملك كذا وكذا أو أن شكله لا يناسبني (لا أدري هل خِلنه عقداً كنت لأتزين به أم معطفاً أود ارتداءه)، لم يسألنني ولو لمرة هل أشعر بشيء تجاهه، هل سلوكه حسن ثم هل هو شهم ومحترم؟ بل كان جل أسئلتهم من النوع الآتي: ماذا يعمل؟ هل لديه شقة؟ هل لديه سيارة؟ كم وزنه وطوله؟ أرني صورته حتى أرى إن كان وسيماً إلى غير ذلك من الاستفسارات حول القشور، وفي أحد الأيام جاء مَن يلبي كل شروطهن وتزوجته.. لم أختَره بل صديقاتي مَن اخترنه".
القصة "4"
مطلقة! تلك كانت تهمتي
طوال الفترة التي تلت صدور قرار طلاقي كان الجميع ينظرون إليَّ بنوع من الاستنكار وكثير من العتاب، وكأنني وصمة عار لطخت سمعة العائلة أو كأنني مجرم فار من العدالة وعائلته تحاول التستر عليه، كنت أظن أن الطلاق سيكون خلاصي الآمن من معاناة دامت حولين كاملين، حتى خاب ظني، واكتشفت الوجه الآخر لمجتمع لا يرق قلبه، لا أدري ما الذي اقترفته بكوني كنت مطلقة لكنني أعلم جيداً ما الذي تعانيه امرأة تحمل تلك الصفة.
مرت بضعة شهور، وفي زيارة لنا لابنة عمي أخبرتني بأنها تحمل أخباراً سارة تخصني، استفسرت عن الأمر فأخبرتني بأن هنالك مَن تريد تزويجي لابنها، وأكملت: "إنه رجل أربعيني مقعد ووالدته لم تعد قادرة على رعايته بسبب كبر سنها، وهي تبحث له عن فتاة تقبل رعايته والتكفل بأموره، إنه وحيد أبويه وسوف يكون لك منزلك الخاص إن تزوجته، وأنا أظن بأنها فرصة لا تفوت، على الأقل ستكونين أفضل حالاً من كونك مطلقة"، قابلت كلامها بالرفض في بادئ الأمر؛ لكوني لا أعرف ذلك الشخص، ولأن عرضها جاء وكأنهم يبحثون عن ممرضة وليس عن إنسانة بغرض الزواج، لكنني تذكرت تلك النظرة القاسية لمجتمعنا العربي وما تسببه لي من إحساس يجثم على روحي حتى يكاد يخنق أنفاسي، فاستسلمت في النهاية وتزوجت زوجاً لم أختَره وإنما تلك الأفكار الرجعية لمجتمعي هي مَن دفعتني لذلك.
*****
تعددت الأسباب، لكن المفاد من القصص التي ذكرت كان واحداً، في العديد من المرات تكون حرية المرأة في اختيار شريك حياتها مقيدة، أحياناً بسبب قلة حيلتها، وأحياناً كثيرة بسبب كومة من الأفكار الجائرة التي يقترفها المجتمع في حقها، وأحياناً أخرى تكون هي نفسها سبباً في ذلك، فمن تنتظر من عريس الغفلة أن يصنع لها مستقبلاً خططت له وهي تضع قدماً على قدم ليست بالحرة أبداً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.