حكاية الدكتور محمد

إن القيم المرجوة في المجتمعات المتحضرة مثل الصدق والالتزام والكرم والإحسان إلى غيرها وأدب الحديث وإجادة العمل وغيرها الكثير يجب أن تكون سبيلاً واحداً للحياة لا طرفة تحكى أو نادرة تروى.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/04 الساعة 01:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/04 الساعة 01:06 بتوقيت غرينتش

منذ أسابيع مضت، ذهبت إلى الدكتور محمد، طبيب صديق وقريب لي، ننعم ونشرف معاً بانتسابنا لعائلة واحدة، ذهبت إليه عارضاً عليه مشكلة تخص واحدة من أصهاري، فاستقبلني باهتمام، وأحاطني برعاية، وقام بفحص المريضة، وقرر لها الجراحة، وبالفعل قام بإجراء الجراحة المقررة، بعدها بأيام معدودة، وحين ذهبت لسداد الأتعاب والرسوم المالية بخزينة المستشفى، وجدته قد تفضل فأكرمني شديد الكرم، فتوجهت إليه شاكراً ممتناً فردَّ بكلمات مختصرة، ومن ثم أردت تأكيد شكري وامتناني له، فهو لم يكتفِ بما قدمه لي من حسن استقبال وكرم ضيافة وفائق عناية، بل زاد عليها فضلاً وكرماً، فأرسلت له عبر الهاتف رسالة فوجدت رده متكرراً لا يتغير قائلاً: أنا ما عملت غير الواجب، نفس الرد الذي قاله لي آنفاً.

الدكتور محمد أكد لي ما أفكر فيه، يجب أن نؤمن أن قيمنا وما نحمله من مبادئ هي الواجب، وأن القيم ليست استثناء بل قاعدة.

أن علاقتنا بالقيم والمبادئ لها عدة وجوه، أولها ما يستسهله الأكثرية، فيكون قيمنا موضوع حديث فقط نتشدق بها، ونكتب عنها، ولا نفعلها، ونحيا بها نراها موضع كلام لا مكان فعل، وأقصى ما نفعله إرضاء لضمائرنا أن نمدح مَن يفعل واحدة من فضائل السلوك، أو نقدح آخر لا يأتيه، وهذا للأسف ما نراه كثيراً، والوجه الثاني أن نعتقد بها ونؤمن، ولكن كاستثناء وليس كقاعدة، وهذا أيضاً نراه كثيراً، فنرى المجتمع وقد احتفى بمن فقط التزم، وكأن الالتزام ليس واجباً، ونرى المجتمع وقد كرم مَن أجاد، وكأن إجادة العمل ليست هي الطريقة الوحيدة للعمل.

إن القيم المرجوة في المجتمعات المتحضرة مثل الصدق والالتزام والكرم والإحسان إلى غيرها وأدب الحديث وإجادة العمل وغيرها الكثير يجب أن تكون سبيلاً واحداً للحياة لا طرفة تحكى أو نادرة تروى.

إن وضع القيم الإنسانية العليا موضع الاستثناء ليفرغها من معناها الأصيل ويجعلها مجرد فعل أحادي لا يقاس به ولا يعتد عليه، ولكن تطبيق هذه القيم في حياتنا اليومية وجعلها في مقام الواجب ضروري الحدوث هو المعنى والهدف الحقيقي من هذه القيم.

لا أستطيع أن أعدد أمثلة، لكني أرى ضرورة أن نتوقف عن تكريم شخص رد مفقودات غالية أو جائزة مواطن التزم بمعايير التفوق، إن أفعالاً كهذه لكفيلة دون أن ندري ببث روح من السلبية وإشاعة جو من الفوضى والتكاسل وعدم الالتزام.

يكفينا ويكفي مجتمعاتنا أن هناك قيماً كثيرة أسقطناها من حساباتنا، مثل قيم المثابرة والمعرفة والحس الإنساني الجماعي، وقيم الاستمتاع بالحياة والسعادة المستدامة، كل هذه القيم أصبحت قيماً أصيلة في المجتمعات المتحضرة، لكن عندنا لا تزال خارج منظومة القيم الأحادية الفردية أو المجتمعية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد