الحمامة طارت يا عالَم

في "الأتوبيس"، كما يطلقون عليه بخفَّة، ويركبونه بثقلٍ بالغ تستطيع أن تلاحظه من تذمرهم وهم يركضون خلفه أو ملامحهم حين يستقرون قعوداً أو قياماً مُجبرين.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/04 الساعة 01:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/04 الساعة 01:55 بتوقيت غرينتش

في "الأتوبيس"، كما يطلقون عليه بخفَّة، ويركبونه بثقلٍ بالغ تستطيع أن تلاحظه من تذمرهم وهم يركضون خلفه أو ملامحهم حين يستقرون قعوداً أو قياماً مُجبرين.

من يتنقل فيه لأول مرة سيشعر بالمرح الذي يجعله هدفاً لنظرات الإنكار والتعجب المصحوبة ربما باتهامه بالجنون وخفة العقل!
على الرغم من أن هذا المرح في الحقيقة من شأنه أن يجعل يومك أفضل بشكلٍ أو بآخر، خاصةً لو كنت مغترباً تملَّكه الحنين، أو فيك فيض من فضول، أو كنت مثلاً قارئاً ملَّ لوهلة من كلمات السطور وأغرته تلك المكتوبة على الوجوه.

نعم.. وجوه من حولك -وإن تأملت لدقائق- ستدرك أنها تبوح بحكايات، وتثير انتباهك وإن كنت مُتعباً أو منشغلاً بأمورك الصغيرة في هذا العالم الكبير.
ودون اختيار منك ستلاحظ آثار الحياة القاسية على زِيِّ أحدهم أو يديه أو حتى طريقة حديثه.
ستنتبه لضعف أحدهم أو قوة هيئة الآخر، للحياء هنا والجرأة هناك، لمن تركه الهدوء على المقعد كمحارب خارت قواه أو لمن حباه الله صوتاً خارقاً فيظل يضحك أو لا يكف عن الكلام.

ربما من هنا أحببت السير بين الناس، وأحببت التأمل في قصصهم التي ترويها خطواتهم، وآراؤهم وأحاديثهم الخاصة التي قرروا بعفويتهم أن يجعلوها على مرأى ومسمع الجميع.

ربما هذا الحب هو ما قادني إلى النظر إليها.. كبيرة في السن، يبدو عليها آثار الجهد والعمل، تحمل بيديها حقيبة من قماش قد فُتحت فُوهتها ولا يبدو أن ما فيها يستحق الاهتمام، إلى أن حان وقت نزولها وخطت خطوتها الأولى للخارج، وطارت حمامة من حقيبتها.
انفلتت كسجينة، وتركتها تصيح بأساً شديد: الحمامة طارت يا عالم!
بين ضحك خافت وكلمات أُلقيت لها كي تهدأ وتستعوض، كان السؤال: كيف حملت حماماً في حقيبة كالتي معها؟ من أشار عليها بأن تحمل قوت يومها بتلك الأريحية؟
حتماً لن تكون هناك إجابة لسؤالي، لكن ستكون هناك أسئلة أخرى طرحتها ذكرى الأحلام.
أراك تفكر.. ما العلاقة بين الأحلام والحمام؟
وأظن أن العلاقة هي بين الأحلام وطيران الحمام..

فكروا معي.. كم عدد الأحلام التي حلمنا بها يوماً وعلى حين غفلة انفلتت منا؟
كم عدد الأمنيات التي وضعناها في حقائب مثقوبة؟
كم عدد الفرص التي خسرناها لأننا لم نهتم لها كما يجب؟
كم عدد الأفكار التي لم نخطط لها فرأت النور بأيادٍ غير أيادينا؟
بل كيف يمكن للأشياء أن تبقى ما لم نتمسك بها؟ أو نضعها في المكان المناسب لها على أقل تقدير!

العمل حتماً سيجعلك تكسب لكن الذكاء في الحرص هو الذي -بإذن الله- لن يجعلك تخسر، الحرص على فهم الأمور يجعل من المكاسب نجاحات ممتدة.
نعم يختلف الأمر هنا إن كان لا بد من التخلي الإيجابي عن حلمك لأسباب خاصة، أو إن كنت تعمل بمقتضى: "إن أحببت شيئاً فأطلق سراحه فإن عاد فلك وإن لم يعد فهو ليس لك من البداية".
تلك المقولة التي انتشرت كونها حكمة، وأظن أنها مجرد "مسكِّن" وهروب من تحمل المسؤولية فكأننا نتخلى بإرادتنا ثم نلوم الذي طار؛ لأنه لم يَعُد لنا أو اختار طريقاً لسنا فيه.

كأننا نريد من الأشياء والأحلام وحتى علاقتنا أن تتشبث بنا لمجرد أننا نُريد!
ولا نقدم شيئاً سوى أننا نريد.. بل وحتى إننا قد نمنحها حُرية الذهاب وكأنها لا تعنينا!
كأننا لا نملك اختياراً أو نعيش أعماراً سريعة لا وقت فيها أو أن قعودنا وعدم تقدمنا وفوات الأشياء محض قدر!
هي ربما لم تنتبه، ربما منعها التعب من التفكير في تفاصيل كهذه، ربما لم يخبرها أحدهم أن ما نريده ونخاف عليه -تحديداً- له أجنحة، إن لم نُعلمه أننا عنوانه وسُكْناهُ فلن يعود إذا ذهب، وربما لم يبادل أحدهم حقيبتها بصندوقه.

لكن يا ترى ماذا إن أكمل الناس جهدهم بوعي؟ أو تراضوا بينهم فأصبح بعضهم سنداً لبعض؟ ماذا إن ورَّث الذكي الفطن خبرته؟ وأورث العالم علمه لغيره؟
ماذا إن تشاركنا وأكملنا النقائص فينا بِنَا؟ وماذا إن شعرنا بأن حاجات الآخرين كحاجتنا؟ أشياؤهم ورغباتهم وصعاب أمورهم تحتاج عوناً تماماً مثلنا؟

انتبهت عندما توقفنا، وكل ما كان يدور في ذهني!
إن أدركنا دلالة الكم، ووضعنا إجابة ماذا؟
هل من الممكن أن يقل عدد أولئك الذين يصيحون: "طار ما بين أيدينا"!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد