عن أُمّي في النهايات.. أتحدث

عندما تتمثّلُ لك الحياةُ بأكملها في روح إنسان واحدِ فقط، مهما حدثَ مع ذلك الإنسانِ ومهما يمر وسيمُر به، ستكون مقتنعاً تماماً أنّه سيتجاوز كل شيء، ويبقى لك ومن أجلك، لن تتوقع فناءهُ وإن سقط أمامَك ورقة ورقة

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/03 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/03 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش

عندما تتمثّلُ لك الحياةُ بأكملها في روح إنسان واحدِ فقط، مهما حدثَ مع ذلك الإنسانِ ومهما يمر وسيمُر به، ستكون مقتنعاً تماماً أنّه سيتجاوز كل شيء، ويبقى لك ومن أجلك، لن تتوقع فناءهُ وإن سقط أمامَك ورقة ورقة، مقابلَ كل شيء سيئ قد يحدثُ من مرض أو ظلم أو قهر.. إلخ ولو بلغَ ذلك الشيء أكثرَ مراحلِه السيئة، ستظلّ مقتنعاً تماماً أيضاً أن كل شيء سينتهي، ويعود جمال وعفوية وصدق كلّ شيء كان سابقاً لا أكثر ولا أقل "ما كان سابقاً فقط"، حرفياً ستظلّ مستبعداً ما يسمّى بـ"الموت" ولن يخطر على بالكَ ولو للحظةِ واحدة.

حسناً، انسُوا كلّ ما سبق، فنحنُ الآن في حضرةِ الموت وهو حصل فعلاً، جاء دون إذنٍ أو قرار أو إعلان مسبق وهذا العادي جداً غير طبيعي أبداً "بالنسبة لي" والغفلةُ أحب الأوقات إليه، ثمَّ فجأة تشعر بشيء واحد ملزمٍ بك ولا ثانيَ له من الأشياء التي من الممكن أن يشعر بها الإنسان الطبيعي، وهو أن كلّ المختلفين كلياً عن ذلك الشخص الذي كان لك الحياةَ وصير لك حُلم الآن؛ ينجذبون لك، نعم ينجذب لك كلّ الحمقى والسذّج والمختلين وغيرُهم، وكأنك أنت من ارتكبت كل ما سبق وهذا هو عقابك الذي تستحق، وأنه لا ذنب أبداً للموت أو القدر أو لا علم لدي صراحة بالتسمية الأنسب!

عليك أن تكون أكثر من إنسان لمواجهة ألم ذلك الشخص حينما كان قبل أن يرحل بقليل وفي النهايات السريعة بشكل أدق، وأقل بكثير لأن تكون صخرة أمامها التحطيم يحدث وينمو عنه الألم وليس بها صدع واحد، ستأتي الآلام أمامك وتشعر بها عن بُعد مكانياً وهي أقرب مما تكون لجسد تلك الروح التي صيرت لك كلّ شيء، ستخبرك نهاية كلّ وجع يحدث أمامك وتتذوقه بأنها تتمنى لك وقتاً طيباً خلال وجعٍ آخرَ قادمٍ بسخرية قدَر أو أمل، فلا فرق بينهما عند الوجع؛ لأنه عديم الشعور بفطرته، فهل للوجعِ فطرة حقاً؟!

غالباً عندما يصلّ الخراب ذروته، يصبح (الشيء) جذاباً أكثر، ونسبة المشاهدة لديه تزيد، ربّما كانت تلك متطلبات إجبارية لأن تحين الشفقة المؤقتة غير المجدية والجادة، قلتُ "شيء" هذه المرّة، ولم أكرّر "ذلك الإنسان" كما أسلفت، ربّما قد تأثرت أنا الأخرى بواقعية الخراب الذي تعرّض له الجسد، وهزل الروح فيما بعد، ولن أقول هزال الجسد وخراب الروح وضعفها أو انكسارها رغمّ أنها تعرضت للضعف فترات كثيرة، لكنها بقيت مثمرة ومضادة لكلّ الخراب الكبير والحيّ والمستمر من حولها وحتّى آخر رمق، ظلّ الخراب أوفى من بقيَ لها بعدي، أي في المرتبة الثانية والأخيرة وهو عكسي تماماً، بقي هو وفياً وقريباً لكلّ ما كان حولها من جماد وأرواح، وصرت أنا بعد رحيلها جزءاً لا يتجزأ منه رغم مقتي له، ولكن لم يتبقَّ أمامي غيره، ومع ذلك فأنا لا أمثلهُ ولا هو يعترف بي أصلاً.

أحياناً تجبرك فترة ما من فترات عمرك القليلة والهشّة بالأغلب، على أن تتخلى فيها عن أمور كثيرة كنت تؤمن بها سابقاً وبشدة، قد يكون ذلك مقابل شيء معين بحدِّ ذاته أو للخلاص من كل شيء برمته وكيانه، لكن كيف يمكنك أن تتخلى عما تؤمن به، كيف يمكنك أن تفقد إيمانك وعن طريقك أنت لا بتدخل أي كان، في طبيعة الحال إن كان الحال كما سبق، فأنت لا تستحق الإيمان الذي كنت تملكه وقد فشلت في امتلاكه لك، ألا تكون مخلصاً للإيمان والمبادئ التي طالما تغنّيت بهما ولو بينك وبينك على الأقل، فأنت السبب الأول والأساسي والوحيد في تدمير أهم عامل لإصلاح كلّ الخراب الذي تقع أطرافه تحديداً وليس في الوسط، ولو كنت في الوسط لكان ما عليك لإيمانك أكبر وأعمق بكثير، وهذا في الغالب أيضاً لا يمثله، وهنا أقصد الشخص المقابل لذلك الشخص الذي كان له الحياة بما فيها من خراب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد