رفض كبار مسؤولي الشرطة من مختلف أنحاء الولايات الأميركية، بما في ذلك العديد من الولايات التي صوّتت لصالح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الخطوات التي يتخذها البيت الأبيض بشأن توريط الشرطة بصورة أكبر في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين.
وطالب أكثر من 60 من رؤساء قوات إنفاذ القانون بعدد من الولايات الأميركية الرئيسَ ترامب دون ذكر اسمه صراحةً في رسالة جماعية، التخفيف من حدة حملته العدائية التي تستهدف الاستعانة بضباط الشرطة في تنفيذ مهمة مثيرة للجدل تتمثل في ترحيل ملايين المهاجرين المقيمين بالبلاد دون تصاريح إقامة.
ويعترض هؤلاء – بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية – على الدفع بهم للقيام بمهام جديدة وجدلية في بعض الأحيان سوف تؤدي إلى اختلال التوازن بين المجتمعات المحلية التي يخدمونها والحكومة الفيدرالية وإساءة استغلال صلاحيات الشرطة المجتمعية المحلية.
وتم التوقيع على الرسالة من قبل 61 رئيس ومأمور شرطة محلية حالي وسابق، وبعضهم من الولايات التي فاز بها ترامب خلال انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ومن بينها ألاباما وأريزونا وفلوريدا وجنوب كارولينا وتكساس. ويؤكد التنوع السياسي والجغرافي للموقعين على التخوف الشديد الذي يشعر به العديدون من مسؤولي إنفاذ القانون جراء خطط ترامب التي تستهدف إقحامهم في عمليات حصار واعتقال وفي النهاية ترحيل أعداد كبيرة من الأشخاص.
والرسالة، التي تم صياغتها من قبل قوة إنفاذ القانون المعنية بشؤون الهجرة، وهو ائتلاف يضم كبار خبراء إنفاذ القانون خلال المنتدى الوطني للهجرة، لم تذكر اسم ترامب. ومع ذلك، تشير إلى مساعي إدارته من أجل إجبار الشرطة على لعب دور محوري وأساسي في عملية الترحيل.
وقد صدرت الرسالة كي تتزامن مع جلسة استماع يوم الثلاثاء 28 فبراير/شباط 2017 للجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية بمجلس الشيوخ الأميركي التي عقدها الجمهوريون والتي تحمل عنوانا مثيراً للجدل مفاده "آثار انعدام الأمن على الحدود وتراخي تطبيق قوانين الهجرة على المجتمعات الأميركية".
ليست مهمتنا
ويعرب كاتبو الرسالة – ومن بينهم مفوض إدارة شرطة بوسطن وليام إيفانز، وقائد شرطة مقاطعة لوس أنجلوس جودي شارب، ورئيس قوات شرطة مدينة سولت ليك مايك براون – عن رفضهم التورط في قضية الهجرة.
ويذكرون صراحة: "يعد تطبيق قوانين الهجرة مسؤولية فيدرالية أولاً وقبل كل شيء. ونعتقد أنه يمكننا أن نخدم مجتمعاتنا بصورة أفضل بأن نعهد بتطبيق قوانين الهجرة إلى الحكومة الفيدرالية".
وقد تعهد ترامب بترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين من خلال التوسّع في تعريف هؤلاء الذين ينبغي ترحيلهم من البلاد وزيادة أعداد عملاء الهجرة الفيدراليين والمعتقلات ومشاركة قوات الشرطة في تنفيذ تلك المهمة.
ومع ذلك، فقد أشار في وقت متأخر من يوم الثلاثاء 28 فبراير/شباط 2017 إلى رغبته في التصديق على قانون يحمي بعض المهاجرين غير الشرعيين من الترحيل، إلا أنه لم يذكر أي تفاصيل عن ذلك وأخفق في الإشارة إلى تلك الفكرة في خطابه أمام الكونغرس.
وأثارت إمكانية مشاركة ضباط الشرطة ومساعديهم بفعالية باعتبارهم عملاء فيدراليين أثناء ممارسة مهامهم اليومية – وعلى سبيل المثال، إيقاف سائق من أميركا اللاتينية يقود سيارة ذات كشافات خلفية عاطلة ثم القبض عليه لمخالفته شروط تأشيرة الدخول – أثارت الكثير من المخاوف وسط الكثير من مجتمعات المهاجرين بأنحاء الولايات المتحدة.
وتشير الرسالة إلى وجود معارضة كبيرة لخطة ترامب وسط دوائر تطبيق القانون. ويتناول كاتبو الرسالة رؤية مختلفة تماماً، حيث يرون ضرورة اقتصار مشاركة الشرطة على استهداف "تهديدات المجرمين والمنظمات الإجرامية التي تضر بالمصلحة العامة".
سحب تهديداته
ويطالب هؤلاء إدارة ترامب أيضاً بسحب تهديداتها بمعاقبة مدن الملاذ التي ترفض تطبيق حملات اعتقال المهاجرين. ويشير الموقعون إلى عدم وجود تعريف متفق عليه لماهية مدن الملاذ ويحذرون من أن سحب الأموال الفيدرالية من تلك المناطق على سبيل العقوبة "لن يؤدي إلى الحفاظ على أمن وسلامة مجتمعاتنا".
وفي أحد قراراته التنفيذية الأولى الصادرة عن البيت الأبيض، ألغى ترامب أحد العناصر الحديثة التي أصدرها أوباما بشأن نهجه تجاه الهجرة من خلال إبطال برنامج تطبيق الأولويات، الذي تم بموجبه التفاوض على تعديل الاتفاقيات القائمة بين الحكومة الفيدرالية وسلطات تطبيق القانون المحلية فيما يتعلق بالعمل المشترك.
وكان البرنامج يركز على المهاجرين غير الشرعيين الذين اقترفوا جرائم عنف خطيرة، على النقيض من سياسة تطبيق القوانين السابقة – المجتمعات الآمنة – التي شملت آلاف من الأشخاص الذين اقترفوا جرائم جنائية صغرى أو لم يقترفوا أي جرائم على الإطلاق.
ونقلت صحيفة الغارديان عن سيسيليا مونوز، المديرة السابقة لمجلس السياسات المحلية بالبيت الأبيض في ظل إدارة أوباما، قولها إنه بمقتضى إلغاء اتفاقيات برنامج تطبيق الأولويات التي تم التوصل إليها مع رؤساء الشرطة المحلية، فإن إدارة ترامب تخاطر بتعريض المجتمعات للمزيد من المخاطر.
وقالت: "فيما يتعلق بتصريحات إدارة ترامب حول الأمن والسلامة، فإنه يتم حالياً إلغاء اتفاقيات من أجل إجبار رؤساء الشرطة المحلية على تنفيذ مهام يرونها غير حكيمة".
وأضافت: "كنا في ظل إدارة أوباما نتعاون عن كثب مع مسؤولي الشرطة المحلية للتأكد من تطابق الأولويات؛ ونتيجة لذلك، ركزنا على الأشخاص الذين شاركوا في جرائم العنف الخطيرة ونتفق جميعاً على ضرورة استبعادهم".
وكان برنامج المجتمعات الآمنة، الذي تمت تجربته في ظل إدارة جورج بوش الابن واستمر تطبيقه خلال الفترة الأولى لرئاسة أوباما، يستهدف التوسع في تبادل المعلومات بين قوات تطبيق القانون المحلية ووكالات الهجرة الفيدرالية.
وسمح ذلك البرنامج الذي طبق في عهد بوش للعملاء الفيدراليين العاملين في مجال تطبيق قوانين الهجرة والجمارك باعتقال أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين بغض النظر عن مدى حدة الجرائم التي يقترفونها.
وأدت حملات الاعتقالات إلى ترحيل مئات الآلاف رغم قيام ثلثي هؤلاء المستهدفين باقتراف جرائم صغيرة للغاية أو عدم اقتراف أي جرائم على الإطلاق.
وبعد التعرض للكثير من الانتقادات، تخلت إدارة أوباما عن هذه السياسة عام 2014، ما أدى إلى تنظيم برنامج تطبيق الأولويات.
وأعاد ترامب حالياً تطبيق سياسة المجتمعات الآمنة والتوسع إلى حد كبير في برنامج تطبيق الأولويات كي لا يتضمن المدانين أو المتهمين فحسب، بل يضم أيضاً الأشخاص الذين يمثلون خطراً على السلامة العامة.
ودعت الإدارة أيضاً إلى تجديد التركيز على 287 اتفاقية مبرمة بين الشرطة المحلية والحكومة الفيدرالية، بما يسمح لرجال الشرطة المحلية بتنفيذ قوانين الهجرة بأنفسهم.
ويأتي قرار بتفعيل هذه الاتفاقيات أدركت وزارة العدل أن مثل هذه الاتفاقيات قد أدت إلى ممارسات شرطية متحيزة عرقياً وأشارت بحوث أخرى إلى تحميل تلك السياسة أعباء ثقيلة على الموارد المحلية، ما أدى لتراجع إدارة أوباما عن تطبيقها.
وفي الوقت الحالي، لا يوجد سوى 37 جهازاً من أجهزة إنفاذ القانون تحظى بعدد 287 اتفاقية مبرمة، يتم تطبيقها بصورة حصرية في السجون المحلية بدلا من تخويل رجال الشرطة بتطبيق تلك الصلاحيات الشوارع. ويعد الاهتمام بالاتفاقيات الجديدة في ظل إدارة ترامب ضعيفاً للغاية حتى وقتنا هذا.
وذكرت صحيفة الغارديان أن وكالة Ice قد راجعت 287 طلباً مقدماً من ستة إدارات لإنفاذ القانون خلال شهر فبراير/شباط 2017؛ وتتوقع الوكالة مراجعة طلبات 8 إلى 10 إدارات شرطة خلال الشهر القادم، علما أنه يوجد نحو 18 ألف إدارة شرطة في أنحاء الولايات المتحدة.
هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.