قديماً وما زالت أمي تردد: "كل ما يحصل هو حرب على الإسلام"، لم أكن أعي الأمر جيدا لسبب واحد؛ لأننا نحن العرب عموماً نحب نظرية المؤامرة، نعشقها إذا صح التعبير، ونندب على حالنا على الدوام، فسماع هذه الجملة بالذات لم يعد يعني لي الكثير، ولكن مع مرور الوقت والآن وما يحدث وليس فقط في الوطن العربي إنما في الدول الأجنبية كذلك، والحرب القائمة على كل مسلم وكل شخص له ملامح عربية يتهم بالإرهاب، مذنباً كان أم غير مذنب، جعلني أؤمن بهذه النظرية.
فمصير الإنسان الفرنسي الجنسية مسلم يصنف على أنه "إرهابي"، بعدما كان يعيش ويتعايش لسنوات بينهم وقُلبت الآية، وأصبحت نظرات الناس وتلميحاتهم لأي إنسان ذي ملامح عربية أو تدل على أنه مسلم بشعة، وتوجه أصابع الاتهام له على الفور.
وللأسف ليس فقط بالدول الأجنبية إنما أصبحت كذلك بدولنا العربية، خصوصاً بعد ظهور ما يسمى بداعش وما قدمه داعش للعالم أجمع بأنه "دولة إسلامية" تطبق تعاليم الإسلام "الصحيح"، فأصبح كل شخص ملتحٍ وكل امرأة ترتدي الخمار يُشك في أمرهم.
ولقد سجلت حالات اعتداء على المسلمين خلال هاتين السنتين بكثرة، سواء كان عنفاً جسدياً أو لفظياً "نفسياً"، والمسلم يعاني لمحاولة التمسك بدينه، فأصبح ذلك من الأمور اليومية الصعبة.
وبالرغم من تصنيف داعش وأعماله بأنه إرهابي، ولكن لا يسع الناس غير التصديق، وخصوصاً بعد الهجمات العديدة التي حدثت وما زالت تحدث على دور العبادة وأماكن التجمعات المزدحمة.
وعلى هذا الأساس اتخذت الكثير من الدول إجراءات مجحفة بحق العرب والمسلمين عموماً وكأنهم في انتظار هذه اللحظة منذ زمن.
والقوانين كما أرى عكست إلى حد كبير نظرة مجتمعاتهم، وكما وضع القانون المتطرف في فرنسا كونها دولة علمانية، وضع كذلك في تونس، وصدر القانون منذ عقود لحظر الحجاب، فتصفه الحكومة التونسية العربية المسلمة قائلة بأنه "دخيل" و"طائفي".
قصت لي فتاة عن ذهابها للدراسة في فرنسا وتكلمت عن معاناتها في دراسة الماجستير كونها مسلمة محجبة، فأحد القوانين التي وضعت لها من قِبل الهيئة المراقبة أن تخلع الحجاب، فرفضت وبدلاً من ذلك ارتدت التوربان كما يطلق عليه.
فالمحجبة تعاني بوضع الحجاب وتضطهد على ذلك وكأن ما تفعله ضرب من ضروب الإجرام، وعدم ممارسة الشعائر الدينية بحرية.
شاهدت مؤخراً في أحد الفيديوهات يعود ربما إلى حقبة الستينات شخصاً يلقي محاضرة عن بديل الخوض في الحروب، وكيف يمكن توفير المئات من العدة والتجهيزات وأرواح الجنود.. هو الحرب على العقل فيقول: عندما يمكن التأثير على العقل والنفس والبدء بالقيم والمبادئ هي حرب ستجري أكثر نفعاً وقوة من حرب المعدات، وأول أحد الأشياء التي ذكرها في المجتمعات التي يجري القضاء عليها هو الدين، كما يقول إن قوة الدين محركة للشعوب بطريقة غير ملموسة أي ليس كالماديات والعولمة الاقتصادية.
ويرن في أذني قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار" صدقت يا رسول الله.
نعود إلى المفهوم المغلوط للدين ويقع اللوم علينا نحن أولاً، وعلى كل إنسان يطلق على نفسه شيخاً أو داعية ذا فكر متطرف، جعل من الإسلام شيئاً مغلقاً لا يفهمه الغرب، ويرون أننا متخلفون، ما يجب فعله تغيير الخطاب الديني الذي لا يرتقي إلى الحياة اليومية، ولا يتماشى مع العصر، وخصوصاً بالنسبة للشباب، بدل هذا الخطاب المنغلق المتحجر الذي يحمل في طياته أفكار داعش، فها هنا نحن بأفعالنا وأفكارنا اليومية نساعد في عملية تسريع محاربة الإسلام بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
فذكر كلمة متدين عند سماعها أصبحت كلمة نتخوف منها، ونتجنبها شيئاً فشيئاً أضعنا هويتنا وأنفسنا، وأصبح تقليد الغرب هو الأفضل الـ(أأمَن)؛ لنواكب تطور العصر كي نندمج بمجتمعهم وليتقبلنا الغرب، وبين التخبط بفقدان الهوية والانغماس في الأفكار المتطرفة والحروب القائمة خُلق فراغ هائل بين معشر الشباب، ما جعل الشباب في حيرة من أمرهم، فالتمسك بالدين المعتدل الآن أصبح أصعب من ذي قبل، إما أن تندمج أو أن يطلق عليك لفظ الإرهابي، فأصبحت هذه الكلمة سهلة التداول على الألسن.
ربما لا يجب لومهم فكلما أرى الحرب العنصرية القائمة علينا أستذكر معاناة السود "أصحاب البشرة الملونة" وما تعرضوا له من اضطهاد وعنصرية وكراهية، على مر السنين وكأن التاريخ يعيد نفسه، ولكن بطريقة مغايرة.
دخول ترامب إلى الرئاسة ليس مبشراً، زادت العدائية العنصرية، وصعود اليمين المتطرف، فأخذت العنصرية منحى آخر ضد الجميع، وخصوصاً المسلمين، ولا نعلم ما هو القادم وما هو متوقع حدوثه.
تساؤلات كثيرة لا نجد لها أجوبة، وربما سنجد لها في المستقبل القريب، وتغيرات عديدة تجري في الساحة السياسية.
فهي حرب على الإسلام كـ"الفوضى الخلاقة"، تأخذ مجراها، وتتغلغل، تأخذ عقوداً وتجري ببطء، ونحن نأكل الطعم، فهل سنستيقظ من سباتنا الذي طال؟ نحن نهدمها، ونحن من يستطيع أن يغيرها بتصرفاتنا اليومية، فما يجب أن ندركه هو أن سلاحنا إيماننا بديننا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.