هل سبق أن تساءلت يوماً عن ماهية الموت؟! لم أكن أعلم عنه شيئاً إلى أن جاء اليوم الذي صادفت فيه ذاك الغريب.
ففي صباح ذات يوم تناولت قهوتي وخرجت إلى البحر، كم يبدو جميلاً هادئاً، ولولا برودة الطقس لوددت أن أغوص في أعماقه.
اقتربت قليلاً وقبل أن تلامس قدماي رماله، فإذا بشيء غريب أراه هناك، وقعت عيني عليه، إنه جسد.. جسد ميت لا حول له، مَن يراه من بعيد يظن أنه مالك للبحر ورماله، ولكن حين اقتربت منه رأيت البحر وقد تملك جسده ونزع روحه، قد يبدو الهدوء والسكون في بعض الأحيان مريبا، لكن لا يعلم أحد ما قد يخبئه لك.
بضع خطوات تفصلني عنه، تدفعني رغبة في أن أقترب لأتفحص المجهول الذي أصابه، وتمنعني رهبة من أن يأسرني فأموت بجانبه، ولأنني شخص ضعيف القلب لا يملك من الشجاعة لأن يقف بجانبه ابتعدت قليلاً، واكتفيت بالنظر إليه عن بُعد.
دائماً ما يرهبني الموت أظل أهرب منه، ويصر هو على أن يلاحقني في يقظتي ومنامي، لم أشح بوجهي عنه، فقد رأيت فيه نفسي التي ستكون ربما اليوم أو غداً.. لا أعلم.
تمنيت يوماً أن أمتلك بحراً ليس سالباً للأرواح، تركته ومضيت أتساءل: لماذا يخاف الإنسان من الموت؟ هناك من يخاف مَن أن يموت، وهناك مَن يخاف من أن يموت مَن يحب، ربما لجهله بما سيحدث له بعد الموت، وطبيعة البشر الخوف من المجهول، أو ربما لعلمه أنه ما زال غير مستعد للقائه، عندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: ما بالنا نكره الموت ولا نحبه؟ فقال: لأنكم أخربتم آخرتكم، وعمرتم دنياكم، وأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب.
لا يمكن لأحد كشف الغطاء عن حقيقة الموت، أتعجب حين أعلم أن الأرض التي نسير عليها فوقها حياة وتحتها حياة، فكما نعيش فوقها الآن سنذهب لأسفلها يوماً، ورغم أن أسفلها مزدحم بالبشر كما هو فوقها، ولكننا سنذهب فرادى، وسنرقد هنالك فرادى.. رغماً عنا.
كل يوم نسمع عن موت أحدهم وما أكثره هذه الأيام، لا أعلم أيضا لماذا يخاف البعض من الشخص بعد موته رغم أنه نفس الشخص قبل أن يموت، قد تكون تلك القماشة البيضاء التي تخفي ملامحه وتغطيه بالكامل تعطيه رهبة عندما تراه أو ربما لأنه ذاهب إلى مصير لا يعلمه أحد غيره.
"فإذا سويته ونفخت فيه من روحي.."، أي أن الله نفخ في الإنسان من روحه، وروحه أزلية باقية؛ لذلك روح الإنسان لا تموت بموت جسده، وتبقى الروح أعظم من الجسد، فتذهب هي إلى السماء، ويبقى هو تحت التراب.
في نهاية الأمر لا تفكر كثيراً في حقيقة الموت، والخوف من الموت دون عمل لا يعول عليه، أحياناً تغدو الحياة المرجوة مجرد البقاء على قيد الحياة، هناك جنة الأرض، وجنة السماء، وجنة السماء التي أعدها الله للمؤمنين، فيها ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
إذاً علينا أن نصنع تلك الحياة الأبدية، ونقدم من الآن ما ينفعنا هناك، حتى إذا جاءت تلك اللحظات يوماً ما، ويقيناً سيأتي هذا اليوم، يكون يوم بداية لا يوم نهاية، ويوم سعادة لا يوم شقاء، ويوم أمن لا يوم خوف، وهو ما نطق به بلال بن رباح لحظة وفاته، حينما صرخت ابنته: "واحزناه على أبي"، قال لها في رسالة واضحة: لا حزن على أبيك بعد اليوم.. غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.