منذ سنة 2012، أقّرت دولة قطر ثاني يوم ثلاثاء من شهر فبراير/ شباط يوماً رياضياً للدولة، فكانت بذلك أوّل دولة في العالم تخصّص يوماً للرياضة؛ لتوعية الناس بفوائد ممارستها وتشجيعهم على ذلك.
وبعد نجاح هذه التجربة القطرية، شقّت كلّ من دولة الإمارات العربية المتحدة منذ العام الماضي ودولة البحرين بداية من هذا العام نفس المسار واحتذيتا بقطر، فأقرتا يوماً رياضياً للدولة.
في اليوم الرابع عشر من شهر فبراير لهذه السنة، حصل لي شرف حضور بعض فعاليات النسخة السادسة من اليوم الرياضي للدولة بقطر بالعاصمة الدوحة. وكما يعرف الجميع، هذا التاريخ يصادف عيد الحب، وربّ صدفة خير من ألف ميعاد؛ صدفة تجسّد حب قطر للرياضة؛ إذ إنّ دولة قطر، ومنذ بداية الألفينات، جعلت مجال الرياضة من أولويّاتها؛ مجالاً تعتمد عليه للحضور الوازن على الساحة الدولية، فتجلّ أول تحركات قطر في المجال الرياضي، التي جعلت الصحف العالمية تتحدث عنها، في انتداب نجوم كرة القدم العالمية والأوروبية إلى دوريها المحلي، ومن بين هذه الانتدابات الأرجنتيني باتيستوتا والفرنسي فرانك لوبوف.
ومنذ ذلك الحين، ودولة قطر تضاعف الجهود في التطوير الرياضي، إلى أن حصلت عن جدارة واستحقاق على تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022، بملّف أبهر العالم، ثم تحرّكت أيضاً للتنويع إلى الاستثمار في الأندية الأوروبية عن طريق امتلاكها كنادي باريس سان جيرمان الفرنسي، أو عن طريق تمويلها كما هو الحال مع نادي برشلونة الإسباني.
إلّا أنّ قطر لم ترَ هذا النجاح كتشريف، بل كتكليف تريد من خلاله تشريف الشرق الأوسط، لا سيما أنّ الانتقادات صارت تُمطر عليه من بعيد وعن قريب. انتقادات لم تنَل من إرادة دولة قطر وعزيمتها، فأثبتت من خلال بعض التظاهرات الرياضية التي نظّمتها أنّها قادرة على استقبال المحافل الدولية بنجاح ودون مركب نقص.
وخير دليل على ذلك احتضانها الناجح لبطولة العالم لكرة اليد سنة ٢٠١٥، فما يساعد دولة قطر في إنجاح مثل هذه التظاهرات، هو منشآتها وبناها التحتية الممتازة، ذات المعايير الدولية، التي تستقطب أكبر الأندية العالمية لاستغلالها.
تمكّن عبد ربّه الكاتب لهذه الأسطر من التنقل من باريس للدوحة لحضور فعاليات اليوم الرياضي لقطر في نسخته السادسة، والتعرف عن قرب على نشاطاته وأهدافه، وكذلك زيارة المنشآت الرياضية التي تمتاز بها العاصمة الدوحة.
انطلقت الفعاليات منذ الصباح، واستمرت طوال اليوم تحت أجواء ممطرة رائعة للغاية، ولم يمنع المطر الناس، رجالاً ونساءً، أطفالاً وكباراً، قطريين ومقيمين من الخروج في يوم العطلة هذا لممارسة مختلف الأنشطة الرياضية، التي كانت متنوعة من كرة القدم إلى العَدو الريفي، مروراً بكرة السلة وكرة الطاولة وغيرها من الرياضات الفردية والجماعية.
كانت هناك أجواء من المرح، صحيحٌ غابت عنها المنافسة، إلّا أنّ الغاية كانت المشاركة وتوعية الناس بأهمية ممارسة الرياضة وبفوائدها على الصحة، فقطر تريد جعل الرياضة أسلوب حياة، فلم يتردد مسؤولوها من أخذ زمام المبادرة ومشاركة الشعب القطري والمقيمين في الأنشطة الرياضية، فكان على سبيل المثال صلاح بن غانم العلي، وزير الثقافة والرياضة، حاضراً ببدلته الرياضية بحديقة أسباير فركض ولعب كرة القدم؛ ليكون بذلك قد أعطى المثل الذي يجب أن يُحتذى به.
كما انتهز الفرصة لتدشين مبادرة "365 نشاطاً"، وهي بادرة تعزز فكرة اليوم الرياضي؛ كي لا تتوقف ممارسة الرياضة عند يوم واحد في السنة، ولتكون عادة يومية أو أسبوعية، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، سيُقترح على الناس يومياً اكتشاف رياضة يدعوهم إليها مدربون في عدة أماكن عمومية في الدولة.
ولم أكن لأغادر الدوحة دون زيارة أكاديمية أسباير، التي بدأ صيتها يذاع على المستوى العالمي مع بداية صنعها للنجوم في مختلف الرياضات، لعلّ أبرزهم البطل القطري الشاب معتز عيسى برشم المختص في القفز العالي، الذي نال ميداليات أولمبية وعالمية في عدة مناسبات.
أسباير، هذه المعلمة الرياضة تصنع فخر قطر؛ إذ إنها تتيح إمكانية ممارسة أكثر من عشر رياضات للتلاميذ، كما تتيح خدمات طبية تُحسد عليها وتجلب إليها أبطال العالم، ما تتوفر عليه قطر اليوم من منشآت ممارسة الرياضة، سواءً هواية أو احتراف، يجعل منها الوجهة المفضلة للرياضيين الأبطال العالميين الباحثين عن أجود ما يوجد في سوق الرياضة حالياً، في ظل الهدوء بعيداً عن الصحافة المتطفلة.
إقرار يوم رياضي للدولة خطوة رمزية أثبتت من خلالها قطر أنّها لا تستثمر في الرياضة فقط لجني الأموال، بل أيضا لتحبيب سكانها في الممارسة المنتظمة في ظل الرفاهية التي يعيشون فيها.
لكن، من جهة أخرى، لا يختلف اثنان على عوائد الاستثمارات الرياضية على دولة قطر؛ حيث إنّه بتطوير الرياضة، تتمكّن دولة قطر من تنمية السياحة القطرية باستقطاب عشاق جميع الرياضات التي تحتضن قطر محافلها، هذه السياحة استدعت بناية العديد من الفنادق، أبرزها وأشهرها فندق الشعلة الذي لا يبعد عن ملعب خليفة الدولي إلا بمائتي متر، كما أنّه بفضل الرياضة بشكل عام، وكأس العالم لكرة القدم بشكل خاص، بدأت قطر في تطوير شبكة مواصلات مترو تسمح له بالربط بين ملاعب الدوحة التي ستستضيف مباريات كأس العالم.
الجدير بالذكر أنّ قطر ستدخل التاريخ لعدة أسباب، منها كونها أول دولة عربية تستضيف كأس العالم لكرة القدم، وأول دولة من الاتحاد الآسيوي تنظم بمفردها هذه التظاهرة، وستكون خصوصاً أول دولة توفّر الفرصة لعشاق كرة القدم لحضور ثلاث مقابلات في اليوم الواحد؛ إذ إنّ ملاعب الدوحة قريبة من بعضها البعض ستربط بينها خطوط المترو الذي لا يزال في طور الإنجاز، وبالتالي، ستدخل قطر التاريخ من بابه الواسع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.