زواجٌ استهلاكيّ

يحصل يوماً في حياة أغلبنا أن نمضي عقد التأبيد ووعد الأمان تطبيقاً للسنن التشريعية والكونية. وفي لحظة، يكون القليل في حالة نضج عاطفي مُلِماً باختياره ومسؤولاً عن قراره، بينما يهيم الكثيرون في حالة عدم التوازن الراشد الذي يفضي به إلى تلطيخ أسمى الصلات شرفاً وقدسية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/26 الساعة 01:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/26 الساعة 01:20 بتوقيت غرينتش

يحصل يوماً في حياة أغلبنا أن نمضي عقد التأبيد ووعد الأمان تطبيقاً للسنن التشريعية والكونية. وفي لحظة، يكون القليل في حالة نضج عاطفي مُلِماً باختياره ومسؤولاً عن قراره، بينما يهيم الكثيرون في حالة عدم التوازن الراشد الذي يفضي به إلى تلطيخ أسمى الصلات شرفاً وقدسية.

فالبعض في نظره أن الزواج وما يليه هو ترابط يكون الغرض منه التقاط صور وفيديوهات استهلاكية و"سيلفي" حيوي لا يمت إلى الحياة بصلة، فتجد الأزواج يقضون معظم أيامهم وليالهم في التفكير في كم صورة وتدوينة إشهارية يمكن نشرها، أين وماذا سيأكلون؛ حتى يشاهدهم المتابعون ويظن العالم أنهم في سعادة عارمة يعيشون، فصرتَ بذلك تحفظ أدق التفاصيل اليومية لحياتهم، فقط بنقرة على الهاتف أو الحاسوب.

والأخطر من هذا حين ينشب الصراع بينهما، تجد أحدهما يسارع بالبوح بمشاكله الخاصة جداً عبر منشور في أكبر تجمعات مواقع التواصل الاجتماعي بداعي الفضفضة، ليظلا حبيسَي سجن العالم الافتراضي الذي سيصطدم يوماً بالواقع الحقيقي وتتفاقم بعده المشكلة وتكثر الهواجس.

وللبعض الآخر، فالزواج هروب من كثرة القيل والقال، خصوصاً لدى صنف النساء، فأغلب المجتمعات العربية تنقِّص المرأة في حال تأخر زواجها، مجبرين إياها على حمل لافتة "العنوسة" حتى تترك طموحاتها وأحلامها وتقبل بأول خطيب يطرق بابها، مطأطئة رأسها دون أدنى تجاذب أو تقارب. ومن تقدم لها فوالدته من اختارتها له وأجبرته على الزواج حتى يعود من عمله مساء ويجد من يهتم بشؤونه إشباعاً لغرائزه وشؤون بيته من طبخ وتنظيف وغسل وكيٍ ويحولها أداة للمتعة..

أما أخبارهما وتفاصيلهما بحذافيرها تشاطرهما إياها العائلة الصغيرة والكبيرة، وفي أول حادث بسيط يتدخل كل من هب ودب، وكلما تمادى الوقت تكبر رقعة الخلاف ويخرج كلا الزوجين عن السيطرة فتتضخم الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه.

وبينما تخطو كبرى الخطوات، تذكَّر أن الزواج هو أقدس مما نتخيل، فهو علاقة خاصة ليست بعامة، هو علاقة إنسان بإنسان، وليس علاقة شخص استهلاكي يرتبط بإنسان لا حول لها ولا قوة أُجبرت على الزواج حتى تتخلص من الشتائم وتدخل مكرَهة جو الخطيئة الجميلة.

فالزواج هو السكينة والطمأنينة وانسجام الروح للروح تحت سقف يفوح وداً ورحمة، هو الخصوصية، الملزمة على الزوجين الحفاظ عليها بحل جميع المسائل في خلوة لا بمعية، هو لحظات حب شاعرية ولحظات فرح حقيقية، هو مساندة بعضكما بعضاً في السراء والضراء، وهو الحب اللامشروط الذي يفضي بحب الشريك كما هو لا كما تريد.

الزواج هو ميثاق لا ينضب؛ لأن الطلاق حقيقةً هو استثناء وليس الذي نعايشه في أيامنا هذه، زواج طيش يصاحبه طلاق غير رجعي بعد أيام أو شهور أو سنوات قليلة من عقد القران. فهو مشروع أساسه النضج العاطفي الذي يحتم عليك حسن اختيار الشريك الأبدي بناء على مجموعة من المبادئ والمقومات التي تناسبك، فنحن من نختار من نحب ولسنا مجبرين على ذلك؛ لأن الحب بطبيعته سلوك قابل للضبط كلما بلغنا مرتبة العقل المكتمل الناضج.

وكأي علاقة إنسانية ومهما كانت درجة التفاهم والانسجام، فالزواج يجب أن يعزَّز بين الحين والحين؛ لأن الحب مهدد دائماً ومحاصر، وكلما بحث أحد الزوجين في تفاصيل الآخر تمكنا معاً من تطوير وتعزيز الجانب العاطفي وكانا بعيدين من نقطة الفشل الذريع.

وأنت تخطو كبرى خطاك، لا تنس قدسية الرابط الذي ستمضيه وتذكَّر بين الفينة والأخرى أن الزوج يساوي اثنين لا أكثر، وحميمية الحياة الزوجية إن حدثت وشارك الطرفان بعضاً منها فتكون تلقائياً لا تصنّعاً وإشهاراً.

فأحِبوا بصدق وعيشوا حياة حقيقية بعيداً عن الافتراض، احترموا خصوصية العلاقة الإنسانية التي تجمعكما ولا تتركا ثقباً مفتوحاً قد يسرب هواء نتناً ذات يوم. تشاركا أدق التفاصيل، افرحا معاً وكونا قويين معاً؛ لأن الزواج مدرسة للسمو والسناء لا للانحطاط والسفول..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد