أحلامنا هي جزء منا، من شخصيتنا، تتأثر بنشأتنا ومحيطنا، وتختلف وتتباين حسب مدى وعينا وإدراكنا للعالم من حولِنا، فأحلام هذه الفتاة الصغيرة التي تسكن تلك الحارة الضيقة في الريف الهادئ المنسىّ، لا تشبه أبداً أحلام هذه السيدة الأربعينية التي تسكن في المدينة، تكاد تختنق وسط ضجيج غاباتها الأسمنتية القبيحة.
ولكننا جميعاً كبشر، لدينا أحلام وأمنيات مشتركة لا يستطيع أحد إنكارها، مطالب إنسانية، عامة، بديهية، لا خلاف عليها.. ألا وهي: الحق في حياة كريمة، من منّا لا يتمنى أن يحيا حياةً كريمة، غنياً كان أم فقيراً، قوياً كان أم ضعيفاً، سليماً كان أم سقيماً.
ليس المقصود بالحياة الكريمة أبداً ترف الرفاهية وبذخ الاستهلاك؛ بل معناها أن تجد احتياجاتك الإنسانية في متناول يدك، أن تحصل عليها كحق أصيل بدون أن تتعرض للإهانة وذل المسألة، وهي حق لكل فرد في المجتمع، لا تقتصر على فئة أو جماعة، وهي مسؤولية الدولة أولاً.
فالدولة التي تحقق لكل مواطنيها الحياة الكريمة تسمى الدولة الرحيمة، مثل الأم التي لا تفرق بين أبنائها، بل بالعكس تحنو على الضعيف منهم خاصةً.
المواطن في الدولة الرحيمة -مهما بلغت بساطته- له الحق أن يجد موضع قدم في جميع الخدمات العامة، موضعاً آدمياً يحفظ له كرامته وعزته.
المواطن في الدولة الرحيمة لا يحتاج إلى أن يمتلك شاليهاً في قرية سياحية حتى يستمتع بالجلوس على البحر؛ لأنه تمت مراعاة العدالة الاجتماعية في توزيع ثروات البلاد، ومنها الشواطئ العامة، النظيفة، المجانية، المتاحة للجميع.
لا يحتاج إلى أن يكون عضواً في نادٍ حتى يستطيع ممارسة الرياضة؛ لأن الحدائق العامة موجودة في كل حي، مزودة بألعاب للأطفال وأماكن مخصصة للمشي أو لركوب الدراجات، كذلك يوجد في كل حي ملاعب مسورة للرياضات المختلفة.
لا يحتاج إلى أن يمتلك سيارة حتى يقضي مشاويره؛ لأن المواصلات العامة المختلفة، النظيفة، المريحة متوافرة لتلبي احتياجات الجميع.
لا يحتاج إلى أن يدفع عشرات الألوف في المدارس والمستشفيات لكي يحصل على تعليم جيد وعلى علاج جيد؛ لأن المدارس والجامعات والمستشفيات العامة المجانية تنافس في الجودة تلك الخاصة، بل وتتفوق عليها.
الشخص صاحب الإعاقة في الدولة الرحيمة يستطيع أن يمشي في الشارع، وأن يصعد على الأرصفة، وأن يركب الترام بدون مساعدة من أحد؛ لأن القائمين على التخطيط راعوه ووفروا له ما يغنيه عن الطلب.
كان للحضارة الإسلامية السبق في تقديم نموذج للدولة الرحيمة سبقت به الدول الغربية التي تعد اليوم مثالاً يحتذى به.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: "لو عثرت دابة في العراق لخفت أن يسألني الله عنها: لِمَ لم تصلح لها الطريق يا عمر؟".
وعن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- كلمته الخالدة: "انثروا القمح على رؤوس الجبال لكي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين".
ما هذا الفهم العميق لمسؤولية الدولة تجاه رعاياها؟ لقد اتسعت رحمة الدولة حينئذٍ لتَسَع ليس فقط الإنسان، بل الطير والحيوان أيضاً.
كم هو قبيح الفقر في بلادي! كم هو معجون بنار الذل والهوان! إن كان لي حلم واحد أطلبه، فسيكون أن أحيا في بلاد رحيمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.