الحياة دائماً تملك قدرة غير طبيعية على إحداث تغييرات قوية في رحلة البحث عن هدفك، تصل أحياناً إلى جعلك تعقد النية للتخلص من هدفك كليةً، وفي بداية المواجهة مع المصائب والأحزان تجد نفسك ذاهبا إلى أماكن أو أشخاص دون أن تدري لماذا تذهب إليهم دون غيرهم؟ ولماذا تبقى في أماكن محددة وقت الشدة؟ كلنا نمر بتلك الصدمات والأحزان بدرجات متفاوتة، ولكن دائماً قضاء الله كله خير، وتتجلى حكمة الله في جعل مع كل عسر يسراً؛ ليخفف ألم الفشل وفراق الأحبة، ويعطي لنا أملاً لنكمل به الرحلة، ومع تكرار الحوادث يبدأ الإنسان في اكتساب القدرة على التكيف والخروج أسرع من الحزن، واكتساب أصدقاء جدد، ومسح آخرين من قائمة الصداقة، وخبرات يجد السعادة عندما يتذكرها بعد ذلك، وينسى ما صاحبه من هموم في تلك التجربة.
وفي أثناء الشدة تجد مَن يلجأ إلى الله -عز وجل- وتلاوة القرآن الكريم، ويعتزل الناس لبعض الوقت، فيجد شفاء قوياً لكل آلامه وذهاب همومه بعيداً، وعلى الجانب الآخر تجد مَن يتخذ من المصائب حجة ليعلن تمرده على قضاء الله لماذا أنا يا رب؟! لماذا كل هذا الشر؟ ويوجه العديد من الأسئلة لأهل الإيمان، ولكنه لا يقتنع بأي حجة تقدم له، فهذا حالنا نحن البشر وقت البلاء؛ إما نرضى ونشكر الله على كل حال، أو نعلن الخروج والتمرد، وفي وقت الحزن يظهر دور الأصدقاء إن كانوا يعرفونك فهم أقدر الناس على سحبك من دوامات الحزن والعودة بك مجدداً لبر الأمان لتكمل رحلتك.
قالوا ثلاثة أصدقاء ورابعهم الحزن يدور عليهم بانتظام ليقضي على الفرحة والسعي وراء هدف النجاة من زحمة القاع، كل فرد منهم يملك القوة الكافية للخروج من الأحزان بكل صورها ومواجهة القدر بكل ما يحمل من آلام، ولكن في منتصف الطريق تضعف الإرادة بعض الشيء، فيهجم الحزن بقوة؛ ليعوض كل ما خسره في الجولات السابقة، ويجد الحزن مع حالة الضعف واليأس بيئة خصبة لتنمو كل المشاعر السلبية، ويُخرج من الذاكرة كل المواقف التي تبرهن على فشل أصدقائنا، ولكن كل واحد يرد وفقاً لثقافته ومدى تفاؤله وخبراته السابقة في مواجهة الأحزان.
يبدأ صديقنا الفيلسوف برسم أربعة مربعات على ورقة بيضاء، ويضع في الجدول الأول وصفاً للمشكلة التي يواجهها، وفي الثاني الأسباب التي أدت إلى ظهور المشكلة، وفي الثالث يضع أنسب الحلول التي فكر فيها والطريقة التي سيطبق بها الحل المقترح، ثم يضع في المربع الأخير شعوره عندما يتغلب على المشكلة ومكافأة يهديها لنفسه عند الخروج من المشكلة قد تتمثل في رحلة إلى مكان يحبه أو زيارة أصدقائه أو غير ذلك كما يرى هو.
أما صديقنا الفنان ينصحنا بمشاهدة أفلام محددة تتناسب مع نوعية المشاكل والحالة النفسية التي نمر بها، ومع المشاهدة نندمج مع الفيلم بأحداثه المثيرة حتى ننسى الهموم، وكثيراً ما يرسل إلينا الموسيقى الهادئة أو الصاخبة التي تتناسب مع كل نوع من الحزن فهو يدرك جيداً الفرق بين أنواع الموسيقى وتأثيرها في التخلص من الحزن، وقد يضطر ليُمثل بعض المشاهد أو الغناء بصوته الجميل ليخفف عن الجميع.
أما صديقنا الثالث فهو مختلف تماماً فلا يبالي بما يحدث، وما قد تصل إليه الأمور فهو يدرك أنها هي طبيعة الحياة، فلا بد أن تواجهها بنفس القوة، فمهما ساءت الأمور في البداية لا بد أن تفرج في النهاية، ويقول: "كثيراً ما دقت فوق الرأس طبول"، ومهما سُدت الأبواب فبالإصرار ستفتح على مصراعيها في يوم ليس ببعيد، ومها تمكَّن الحزن من قلبه لا يلتفت إليه، ويلجأ للتشتت بكل أنواعه حتى يستعيد قدرته على المواجهة ويعود مرة أخرى؛ ليكمل هدف الهروب من القاع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.