بيَّن الإسلام العلاقة بين أفراده ووضَّحها أشد بيان وإيضاح، فقال الله سبحانه وتعالى: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، علاقة متينة وقوية لا تنفك، ولا تتآكل ببعد المسافات والأوطان، بل تظل متماسكة أبد الدهر.
ولجعل هذه العلاقة مستمرة ودائمة أصَّل الإسلام أصولاً، ووضع مبادئ وأساليب لضمان استمرار علاقة الأخوَّة في الدين، من بينها ما نحن بصدد الحديث عنه اليوم: إنها الابتسامة.
تعتبر الابتسامة من أعظم الأسس لتوطيد العلاقة بين المسلمين، فهي آية من آيات الله -عز وجل- ووسيلة ترسم نسائم المحبة بين المؤمنين، وتخرج الضغائن من القلوب.
لقد أرسى النبي -صلى الله عليه وسلم- خُلق الابتسامة والبشاشة، وعلَّم الإنسانية هذه اللغة العالمية اللطيفة بقوله وفعله وسيرته العطرة، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- بسَّام الثغر، طلق المحيا، يحبه كل من رآه، ويفديه كل مَن عرفه بنفسه، وأهله، وأغلى ما يملك.
روى الترمذي في سننه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تبسُّمك في وجه أخيك صدقة".
إنها السحر الحلال، وإعلان الإخاء والصفاء، وخطاب المحبة بين المؤمنين.
وفي صحيح مسلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق".
تلك الابتسامة هي التي جعلت صحابياً جليلاً هو جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- ينتبه لها ويتذكرها، ويكتفي بها هدية من النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: "ما رآني النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا تبسم في وجهي".
ما أحوجنا إلى إعادة هذا الخلق وهذه السنة إلى مجتمعاتنا وبيوتنا وأسواقنا، ما أحوجنا إلى تبادل الابتسامة بيننا وبين بعضنا البعض؛ لتعود الأخوة بيننا مرة أخرى، بعدما قطعتها الظروف والأحداث، بعدما أصبح المسلم يشمت في أخيه المسلم إذا أصابه مكروه أو أذى، بعدما أصبح المسلم يرشد عن أخيه المسلم؛ ليزج به في السجون.
هذا نبي الله سليمان -عليه السلام- يتبسم لنملة صغيرة في وادٍ مترامي الأطراف، عندما سمعها تحذر قومها من جيشه، كما صوَّر لنا القرآن هذا المشهد البليغ، فقال تعالى: "فتبسم ضاحكاً من قولها وقال ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين".
هل لنا في هذا النبي أسوة فنبتسم لإخواننا ونتآلف معهم؟
وهذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- يودع الدنيا بابتسامة لطيفة، كما روى ذلك البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، قال: "إن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم الإثنين وأبو بكر يصلي بهم فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسَّم بضحك".
أخي الكريم.. من فضلك تبسَّم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.