بعد 17 عاماً من وصوله إلى السعودية، عاد دومينيك شتيك إلى ألمانيا مع زوجته وابنيهما اللذين بالكاد يعرفان بلدهما الأم، لكنه ليس الأجنبي الوحيد الذي يواجه هذا الوضع.
فالظروف تبدلت في السعودية، ومع تباطؤ الاقتصاد، باتت المملكة تعطي الأولوية بشكل متزايد للقوة العاملة المحلية، ما يؤدي إلى تراجع سريع في أعداد المسؤولين الأجانب ذوي الرواتب الباهظة أمثال شتيك.
ومنذ منتصف 2014، تعاني الدولة الأولى المصدرة للنفط في العالم والقوة الاقتصادية الأولى في العالم العربي، من تراجع كبير في عائداتها النفطية، ما يرغمها على اتخاذ تدابير تقشف وخفض للنفقات في مسائل متعددة، تنعكس سلباً على العمالة الأجنبية.
وما يساهم في هذه الظاهرة إعطاء الأولوية لتوظيف السعوديين في القطاع الخاص، في سياق برنامج طموح لتنويع الاقتصاد أطلقته المملكة العام الماضي تحت عنوان "رؤية السعودية 2030".
وأوضح المدير الأجنبي لشركة إلكترونية تراجعت إيراداتها بنسبة 10%، أن "الناس يغادرون لأنه ليس هناك نشاطات تكفي لتجديد عقودهم".
وقال طالباً عدم كشف اسمه "هوامش الربح تواجه ضغوطاً، ليس هناك قطاع واحد أحواله جيدة".
ومن المتوقع أن يسجل الوضع مزيداً من التدهور في تموز/يوليو حين تبدأ الحكومة السعودية بتحصيل ضريبة على "المرافقين" الذين يقيمون مع العمال الوافدين.
ومن المقرر أن تبلغ قيمة الضريبة في بادئ الأمر مئة ريال (25 يورو) في الشهر، على أن ترتفع أربعة أضعاف بحلول 2020 لتصل إلى 400 ريال (مئة يورو) في الشهر، وفق وثيقة حكومية اطلعت عليها وكالة بلومبرغ.
– "كلفة باهظة" –
يؤكد مدير الشركة الإلكترونية أن شركته تعتزم إبقاء هذه الضريبة على الأجانب الـ300 تقريباً العاملين لديها ومعظمهم هنود وباكستانيون وفيليبينيون.
لكنه يلفت إلى أن القسم الأكبر منهم يجني أقل من 10 آلاف ريال (2500 يورو) في الشهر، وهذا الإجراء قد يرغمهم بالتالي على إعادة عائلاتهم إلى البلاد أو الرحيل بأنفسهم من السعودية، ما يفسح المجال لتوظيف سعوديين.
كذلك تعتزم الحكومة بحسب الوثيقة زيادة الضرائب المفروضة على الشركات التي توظف أجانب أكثر مما توظف سعوديين.
وبرر عبد الرحمن الزامل رئيس مجموعة الزامل السعودية التي توظف آلاف الأجانب هذا الإجراء، مشيراً إلى أن الحكومة "يجب أن تكون عادلة بالنسبة للبلاد" وأن تضمن الوظائف لأهل البلد.
ولفت دبلوماسي أجنبي إلى أن الرسوم الجديدة تضاف إلى الزيادة في رسوم المياه والكهرباء خصوصاً، على خلفية الحد من دعم الدولة. وقال "إن كلفة مزاولة الأعمال باتت باهظة جداً".
ويرى الوافدون الغربيون الذين يتقاضون في أغلب الأحيان رواتب أعلى من الآسيويين أو العرب، أن بوسعهم امتصاص الرسوم الجديدة. لكنهم يشيرون إلى أن الظروف المالية المربحة جداً التي اجتذبتهم إلى السعودية، من إعانات للسكن ومنح مدرسية ورحلات سنوية، تتراجع مع الصعوبات التي تواجهها شركاتهم في الحفاظ عليها، في بلد لا يفرض ضريبة على الدخل.
وقال شتيك إن شركته قررت من أجل الحد من نفقاتها "ترحيل الغربيين". وعلق هذا المسؤول في فرع سعودي لشركة ألمانية متعددة الجنسيات الذي عاد إلى بلاده في مطلع شباط/فبراير "لا بد من الإقرار بأنهم سيدخرون الكثير من الأموال".
– "تم تسريحي" –
وأوضح مهندس أسترالي قدم إلى السعودية طالباً المغامرة وطمعاً في المكاسب المالية في آن واحد أن "الميزانيات محدودة بشكل متزايد ولا أعتقد أن الأمر لا يزال مربحاً مثلما كان في الماضي" بالنسبة للأجانب.
وهو يعود إلى بلاده بعد ثلاث سنوات ويقول "تم تسريحي، لكنني كنت سأغادر في مطلق الأحوال".
ويرحل هذا الأسترالي حاملاً معه مشاعر متناقضة عن إقامته في السعودية، فهو أقام صداقات متينة وكان راضياً عن الشقة التي شغلها في مجمع سكني مع حوض سباحة في الرياض، لكنه ينتقد الحياة المحافظة في السعودية والقيود المفروضة على النساء اللواتي يحظر عليهن حتى قيادة سيارة، بحسب رأيه.
بدوره، يرى مدير صندوق استثمار أجنبي قضى سنوات عدة في السعودية أن العصر الذهبي انتهى بالنسبة للعمال الوافدين الذين يتقاضون رواتب عالية. وقال "أعتقد أنه لن يعود هناك أجانب بعد عشر سنوات".
وأكد الدبلوماسي الغربي أنه تم في غالب الأحيان استبدال الأجانب الذين غادروا بـ"أوروبيين أقل كلفة كالبرتغاليين واليونانيين" فضلاً عن أعداد متزايدة من العرب.
وكان شتيك الذي عُين عربي محله، يعتزم البقاء سنة إضافية للاستفادة من المكاسب المقدمة له في شركته وجمع مزيد من المدخرات.
لكنه قال في نهاية المطاف "إنني سعيد بالمغادرة" ولو أنه يبدي مخاوف بشأن مستوى الراتب الذي سيحصل عليه في ألمانيا.