ستصبح الإمارات قريباً أول دولة عربية تمتلك برنامجاً للطاقة النووية، وأول دولة عربية تنضم للدول التي تستخدم الطاقة النووية لأغراضٍ سلمية منذ أكثر من ربع قرن.
وما لم يحدث أي تأخير، من المقرر أن يبدأ المفاعل النووي الإماراتي الأول في العمل، في مايو/أيار 2017، وذلك بعد إجراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية عمليات التفتيش اللازمة للتأكد من استخدام الوقود للأغراض السلمية فقط.
حتى الآن، يسير المشروع وفق الميزانية والجدول الزمني المحدَّدين. كما يجري إنشاء المفاعلات الثلاثة الباقية، التي صممتها كوريا الجنوبية، ويمكن للواحد منها إنتاج حوالي 1400 ميغاواط من الكهرباء، وسيتم ربطها تدريجياً بشبكة الطاقة في الإمارات بحلول مايو/أيار 2020.
مخاوف غربية
هذا التقدم الذي تحققه الإمارات حالياً تصاحبه المخاوف من استخدام الدول العربية لقدراتها النووية التي ستمتلكها في المستقبل لبناء سلاحٍ نووي. ففي العام الماضي، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشي يعلون قائلاً: "هناك ما يشير إلى أن بعض دول العالم العربي تستعد لامتلاك أسلحةٍ نووية، وأنَّ هذه الدول ليست على استعداد للتحلي بالهدوء ومشاهدة إيران وهي تقترب من امتلاك قنبلةٍ نووية أو ذرية".
وقبل ذلك بعام، قال وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس إنَّ "الاتفاق النووي الإيراني سيحفز دولاً أخرى في المنطقة للسعي لامتلاك قدرات نووية مشابهة، ومنها على الأرجح المملكة العربية السعودية".
وخلال أحد خطابات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون أمام مؤسسة "غولدمان ساكس" عام 2013، وطبقاً لتسريبات موقع ويكيليكس لنص الخطاب، قالت هيلاري إنَّ "السعوديين لن يكتفوا بالمشاهدة. وهم بالفعل يحاولون الآن البحث عن وسيلةٍ لامتلاك الأسلحة النووية. وبهذا سيبدأ السباق النووي".
حاجة الإمارات للطاقة
لكن الإمارات قدَّمت حُجَّةً مُقنعةً تُبرهِن على حاجتها للطاقة النووية، من أجل تلبية احتياجاتها المُتزايدة للطاقة، وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، وتوفير المزيد من النفط للتصدير. وفي تقرير الحكومة الإماراتية الصادر في أبريل/نيسان 2008، تعهدت أبوظبي بالتخلِّي عن تخصيب اليورانيوم لتهدئة المخاوف بشأن نواياها النووية.
ونصت مُعاهدة "123" للتعاون النووي مع الولايات المُتحدة على الأمر نفسه (سُمِيَّت بهذا الاسم نسبةً للفقرة رقم 123 من القانون الأميركي للطاقة النووية)، إذ تمنع المُعاهدةُ تخصيب وإعادة تصنيع اليورانيوم فيما يُشار إليه وسط المُجتمع النووي بـ"المعيار الذهبي لمنع انتشار الأسلحة النووية".
فتحت المُعاهدة أبواب التعاون الدولي، ووقَّعت الإمارات اتفاقياتٍ مع الأرجنتين، وكندا، وأستراليا، وفرنسا، واليابان، وروسيا، والمملكة المتحدة خلال الفترة من 2008 إلى 2013، تنُص على تبادل التكنولوجيا، والخبراء، والمواد النووية، والأدوات. وفي عام 2009، فازت شركة كوريا للطاقة الكهربائية بعقود بناء المفاعلات النووية.
تمتلك الإمارات حُجَّةً منطقيةً لمشروعها النووي. فعلى الرغم من اعتماد الدولة الغنية بالنفط على الوقود الأحفوري، وتفضيلها أن يكون الخليج العربي خالياً من الأسلحة النووية، بدأت الإمارات تشعر بالحاجة لتنويع مصادر طاقتها من أجل حماية الموارد الطبيعية للبلاد وتوفيرها للصادرات.
ومن المتوقع أن تُغطي المُفاعلات الجديدة ربع احتياج الإمارات من الكهرباء بمُجرد إتمام بنائها. كما أن هناك تأييداً شعبياً لتطوير الطاقة النووية كوسيلةٍ لتوفير المزيد من فرص العمل وتقليل التلوث. (تقع الإمارات العربية المتحدة حالياً في المرتبة الثامنة على العالم في ترتيب البنك الدولي لقائمة الدول حسب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل فرد).
وبحسب آخر استطلاعٍ للرأي العام عن الطاقة النووية عام 2012، فضَّل 82% من الإماراتيين تطوير الطاقة النووية، وأيَّد 89% بناء محطةٍ للطاقة النووية. بينما رأى 89% أيضاً أنَّ الاستخدام السلمي للطاقة النووية أمرٌ "مهم للغاية"، أو "مُهم جداً"، أو "مُهم" بالنسبة لدولة الإمارات.
الإماراتيون قلقون
وبطبيعة الحال، تدرك الإمارات وباقي الدول العربية الخطر النووي الإيراني، خاصةً في ضوء خطة العمل الشاملة المشتركة (المستند الخاص بالاتفاق النووي الإيراني). واكتشفت استطلاعات الرأي أنَّ الإماراتيين أكثر قلقاً من السعوديين بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، إذ أعرب 91% عن مُعارضتهم للاتفاقية، ورأى 71% منهم أنَّ "الاتفاقية جيدةٌ بالنسبة لإيران فقط، لكنها سيئة بالنسبة للدول العربية". وبما أنَّ الاتفاق النووي يمنح إيران الحق في استئناف تخصيب اليورانيوم في المستقبل للأغراض السلمية دون قيود، فإنَّ الدول الأخرى في المنطقة تمتلك مبرراتٍ لبرامج التخصيب الخاصة بها.
لكن، رغم أنَّ دول الخليج العربي أعلنت في نهاية المطاف دعمها الحَذِر والمشروط للاتفاق النووي الإيراني، فإنَّ هناك بعض المؤشرات على أن الإمارات ربما تكون راغبةً في إعادة التفاوض بشأن "اتفاقية 123" بعد إقرار "خطة العمل الشاملة المشتركة" والاتفاق النووي الإيراني.
فبعد توقيع الاتفاقية على سبيل المثال، أشار سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، إلى أن بلاده قد تُعيد تقييم موقفها بشأن قضية تخصيب اليورانيوم محلياً، وهو ما يعني على الأرجح شعورها بعدم الحاجة للالتزام باتفاقها مع الولايات المتحدة.
ووفقاً لنائب الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، فقد قال له العتيبة خلال مُحادثةٍ هاتفيةٍ عام 2015: "لقد حصل ألد أعدائكم على الحق في تخصيب اليورانيوم، وهو الحق الذي سيرغب أصدقاؤكم في الحصول عليه أيضاً، ولن نكون الدولة الوحيدة".
بالفعل، وضعت "خطة العمل الشاملة المشتركة" الإمارات في وضعٍ غير مُريح، خاصةً مع شعورها بأن المعاهدة التي وقعتها مع واشنطن تحمل مزايا أقل من تلك التي وقعتها الولايات المتحدة مع إيران. وفي الواقع، فإنَّ الاتفاقية حصدت انتقاداتٍ واسعة بالفعل من الحكومات العربية لهذا السبب تحديداً. وفي حالة الأردن والمملكة العربية السعودية، ما زالت معاهدة التعاون النووي الكامل مع الولايات المتحدة مُعلَّقة نتيجةً لإصرار الدولتين حتى الآن على مقاومة الضغوط الأميركية والإبقاء على خيارات تخصيب اليورانيوم مفتوحة.
لكن إيران ليست السبب الوحيد الذي يجعلنا على مشارف سباق تسلح نووي عربي. فالسعوديون شرعوا في تنفيذ خطةٍ نووية طموحة للغاية، (خاصةً مع وصول أسعار النفط لحوالي 50 دولاراً أميركياً/برميل)، تشمل بناء 16 مفاعلاً نووياً بحلول عام 2032. ووقعت الرياض بالفعل اتفاقياتٍ للتعاون النووي مع الصين، وروسيا، وكوريا الجنوبية، ودول أخرى. كما أعلنت عن اختيارها لموقع محطة الطاقة النووية "في وقتٍ قريبٍ جداً".
وتُخطط مصر، والأردن، وتركيا أيضاً لتطوير مشاريع مُستقلة للطاقة النووية. هذا بالإضافة إلى خطر مشاركة الإمارات خبراتها النووية في المستقبل مع دولٍ شرق أوسطية أُخرى أقل التزاماً بقضية منع انتشار الأسلحة النووية. إذ أعرب المسؤولون الإماراتيون بالفعل عن استعداد بلادهم لمشاركة خبراتها النووية مع الوافدين الجدد على النادي النووي، مثل تركيا والأردن.
بالنسبة لجيران إيران العرب، ربما نجحت "خطة العمل الشاملة المشتركة" في خدمة مصالح القوى الغربية، لكنها لم تفعل شيئاً يُذكر لضبط سلوك إيران الإقليمي وطموحاتها النووية بعيدة المدى. ومن المستحيل فَصل مبررات الدول العربية لتطوير مشروعات الطاقة النووية عن السياق الإقليمي الأكبر. وفي حال بقاء "خطة العمل الشاملة المشتركة" موضع التنفيذ، ستوفر لجيران إيران عِقداً من الزمن يُمكنهم خلاله مواصلة تقدمهم في مجال الطاقة النووية لإعداد أنفسهم بشكلٍ أفضل لمواجهة صعود طهران.
وعلى المدى البعيد، سيُساعد المشروع النووي السلمي الإماراتي على تقليل تكاليف تطوير البرامج النووية العسكرية. وإذا قررت الإمارات، في المستقبل، أنَّها بحاجةٍ للحصول على قدرات نوويةٍ عسكرية، فسيُسهم البرنامج النووي السلمي الذي سيبدأ في العمل قريباً، ويشمل المُفاعلات، والتكنولوجيا، والمواد، ورأس المال البشري، والخبرات المتراكمة، في تسهيل وتسريع الطريق لامتلاك الأسلحة النووية، وفقاً لمجلة Foreign Affairs الأميركية.
بالطبع، يمتلك المجتمع الدولي الوسائل لمُكافحة هذا الخطر، وذلك بالأساس نظراً لاعتماد الإمارات في المقام الأول على الأيدي العاملة وخبرات البنية التحتية الأجنبية: إذ إنَّ 57% فقط من العاملين في الهيئة الاتحادية للرقابة النووية بالإمارات هم إماراتيون. لكنَّ الحكومة أدركت اعتمادها الزائد على العمالة الأجنبية، وبدأت تفعيل سياسة "الأمرتة" (أو الاعتماد على الإماراتيين بدلاً من أصحاب الجنسيات الأخرى) بكافة قطاعات العمليات.
وعلاوةً على ذلك، فإنَّ قرار الإمارات بامتلاك الأسلحة النووية يعتمد على عدة عوامل: أهمها امتثال واشنطن وطهران للالتزامات النووية المنصوص عليها باتفاقية "خطة العمل الشاملة المشتركة"، ودرجة اهتمام الولايات المتحدة بالمخاوف الأمنية لحلفائها في المنطقة.
على أية حال، لن تستفيد الإمارات من إعادة التفاوض أو التخلي عن التزاماتها بمنع انتشار الأسلحة النووية في أي وقتٍ قريب. فمثل هذا التصرف سيُشكِّل خطراً على إتمام مشروعها النووي. ويظل السؤال قائماً حول مُستقبل "خطة العمل الشاملة المشتركة" في ظل حكومة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك نظراً لتعهده بإلغاء الاتفاقية.
في الحالتين، تحتاج الإمارات لعِقدٍ على الأقل قبل التفكير في امتلاك قدراتٍ عسكرية نووية. ولهذا، في الوقت الحالي، علينا أن نتحلى بالهدوء، ونترك الإمارات تمضي في طريقها، فمن الواضح أن البرنامج النووي الإماراتي لا يُشكِّل خطراً على مسألة منع انتشار الأسلحة النووية في الوقت الحالي.
– هذا الموضوع مترجم عن مجلة Foreign Affairs الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.