أهاب توني بلير بالبريطانيين أن "ينهضوا" ويوقفوا انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي أو حتى التخفيف من شدته غير أن الأمر لم يعد فيما يبدو بأيديهم.. إذ أن كثيرين من الأوروبيين يريدون الاستمرار في مسيرة الانفصال.
فبعد الاستفتاء الذي قرر فيه البريطانيون الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران 2016 أصر الزعماء الأوروبيون وقد أصابهم الذهول أن بوسع البريطانيين تغيير رأيهم.
وربما شجع ذلك أمثال رئيس الوزراء البريطاني السابق بلير الذي خرج الأسبوع الماضي ليتحدى خطة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي تقضي ببدء عملية الانفصال شهر مارس/آذار 2017 وتحقيق الانفصال خلال عامين أياً كان ما يعرضه الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك فمهما كانت الآمال في ظهور عقبات قانونية أو صحوة من الناخبين فإن الجو السائد بين بقية الدول الأعضاء في الاتحاد تغير تماماً. وفي حين أن الباب لا يزال مفتوحاً من الناحية الرسمية أمام بريطانيا للبقاء في الاتحاد فإن كثيرين في القارة الأوروبية لا يرحبون الآن بالرجوع عن قرار الانفصال.
وقال دبلوماسي أوروبي كبير "هذه الحافلة انطلقت."
وأضاف "ما من أحد سعيد بذلك. لكننا تحركنا وآخر شيء يريده أي واحد الآن هو إعادة فتح الموضوع برمته."
حتى أيرلندا
ومن المؤكد أنه لا أحد يريد التنبؤ بأي قدر من الثقة بالنتيجة النهائية لعملية الانفصال في ضوء الانتخابات الصعبة المقررة هذا العام في فرنسا وألمانيا واهتزاز المشهد السياسي في مختلف أنحاء المنطقة بسبب الحركات الشعبوية الصاعدة.
ويشترك في هذا الرأي دبلوماسيون من عدد من الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وعددها 27 دولة وبعض مسؤولي الاتحاد.
وحتى بين الحلفاء الذين سيخسرون أكثر من غيرهم من جراء الانفصال لا يدور حديث يذكر عن التراجع.
وقال دارا ميرفي وزير شؤون أوروبا في الحكومة الأيرلندية في منتدى في دبلن الذي أبدى فيه كثيرون مخاوفهم على الاقتصاد الأيرلندي "علينا أن نقبل القرار.. إن الانفصال سيحدث."
ومن المفوضية الأوروبية يرصد البعض أيضاً نبرة أكثر تشدداً تحذر من يريدون في بريطانيا الانفصال السلس الذي تحدثت عنه رئيسة الوزراء ماي أو التراجع عن "الانفصال الصعب".
وقال جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأسبوع الماضي متهكماً إن التردد لا يجوز فإما أن تظل بريطانيا عضواً أو تنفصل.
وقال جايلز ميريت رئيس مؤكز فريندز أوف يوروب (أصدقاء أوروبا) للأبحاث في بروكسل "الجو السائد في بروكسل.. ازداد تشدداً فعلاً خلال الأسابيع القليلة الماضية."
لا نكوص؟
مازال البعض يتحدث عن الأمل. فقد قال النائب الألماني تيري لارينتكه الذي يتحدث باسم حزب الخضر بالبرلمان الأوروبي "رغم اللهجة المتشددة والتهديدات من جانب الحكومة البريطانية فلا يزال الاتحاد الأوروبي مشروع إصلاح."
وأضاف "إذا قدر أن تقرر بريطانيا البقاء عضواً في الاتحاد الأوروبي فسيكافح الخضر من أجل عدم إغلاق الباب."
غير أن ألمانيا وفرنسا وقوى أخرى كبرى تخشى أن يؤدي التساهل مع بريطانيا إلى مزيد من التفسخ في صفوف الاتحاد الأوروبي.
ولذلك فحتى إذا سعت ماي لطلب "انفصال سهل" تحتفظ بمقتضاه بريطانيا بكامل الحقوق في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي مقابل قبول القواعد المنظمة لها فقد نفد صبر كثيرين على بريطانيا التي ضمنت لنفسها منذ فترة طويلة امتيازات خاصة.
وقال ميريت من مركز أصدقاء أوروبا "الأعصاب متوترة الآن. سيتطلب الأمر من داوننغ ستريت (رئاسة وزراء بريطانيا) تحولاً هائلاً في الموقف للتمكن من قبول ذلك دون إراقة ماء الوجه على نطاق واسع."
وبمجرد أن تخطر ماي الاتحاد في شهر مارس/آذار 2017 بنية بريطانيا الانسحاب بمقتضى المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي فإن النكوص سيجابه حقل ألغام على المستويين السياسي والقانوني.
وتؤكد ماي أن رسالتها في هذا الصدد ستكون نهائية لا رجعة فيها من حيث الصياغة القانونية. ويعتقد كثير من مسؤولي الاتحاد الأوروبي أن من الممكن وقف عملية الانفصال إذا كانت الدول الأخرى الأعضاء السبعة والعشرون أو معظمها يوافق على ذلك.
غير أن الشكوك تكتنف تلك الإرادة السياسية الآن.
وداعاً للامتيازات
في أكتوبر/تشرين الأول 2016، قال دونالد توسك رئيس وزراء بولندا السابق الذي يرأس مجلس الاتحاد الأوروبي لقادة الدول الأعضاء للبريطانيين إن النكوص عن قرار الانفصال أمر قانوني وإن الدول السبع والعشرين ترحب به.
لكنه حذرهم من أن "الانفصال السهل" ليس خياراً متاحاً وأن الخيار أمام لندن بين "الانفصال الصعب أو لا انفصال على الإطلاق."
ولا يبدو أن هناك أي استعداد لتقديم امتيازات من النوع الذي قد يدفع الناخبين في بريطانيا لتغيير آرائهم.
وكان ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا السابق توصل إلى صفقة كان يأمل أن تمكنه من الفوز في الاستفتاء على الانفصال وذلك بالسماح لبريطانيا بالحد من الهجرة من الاتحاد الأوروبي.
أما الآن فلم يعد هذا مطروحاً على المائدة بل إن البعض قد يستغل تراجع بريطانيا عن الانفصال للضغط على لندن للتخلي عن امتيازات أخرى مثل خصم يصل إلى نحو 50 في المئة على الأموال المستحقة عليها للاتحاد الأوروبي إذا أرادت الاحتفاظ بعضويتها في الاتحاد الأوروبي.