تؤدي التعقيدات المهيمنة على عملية إعادة هيكلة شركة النفط المملوكة للمملكة العربية السعودية، وفصل مواردها المالية عن تلك الخاصة بالحكومة، إلى تباطؤ سير الخطة التي من المُتوقع أن تكون أكبر عملية اكتتاب عام في التاريخ.
وطبقاً لما ذكره أكثر من ستة من الأشخاص المشتركين في العملية، فإن عملية إدراج أسهم الأقلية في شركة النفط السعودية، درة التاج بين شركات المملكة، ليس من المرجح أن تجري حتى أواخر 2018، وإذا تمكن المستشارون الأجانب من النجاح في مسعاهم، فلن يحدث الاكتتاب حتى 2019.
في مطلع العام الماضي، صرح ولي ولي العهد إن الطرح الأولي للاكتتاب العام سيتم في عام 2017 أو 2018. وفي الآونة الأخيرة، أعلن المسؤولون السعوديون أن العملية ستتم في 2018.
على مدار الشهرين الماضيين، تبلورت صعوبة تحول العملاق النفطي سريعاً من مشارك في دعم الميزانية السعودية بشكل كبير إلى شركة مسؤولة أمام حاملي الأسهم.
ففي الوقت الذي يقوم خلاله بعض المسؤولين السعوديين بدفع عملية الاكتتاب سريعاً، يحرص البعض الآخر على اتباع نصيحة المصرفيين بوضع هيكل يمكن أن يُقنع المساهمين بأن أرامكو تشبه بعض أكبر شركات النفط في العالم من ناحية القيمة مثل شركة إكسون موبيل أو رويال داتش شل أكثر مما تشبه شركات النفط الأخرى التي تملكها الدولة والتي تحظى بقيمة أقل. وقال الأمير أن الشركة يمكن تقييمها بما يزيد على 2 تريليون دولار عند قيدها.
وتبقى العناصر الأساسية لإدارة وهيكلة وعمليات الكشف المالية لأرامكو غامضة. وتحتاج أرامكو والحكومة إلى تحديد كيفية الاهتمام بالدعم وتحديد الكيفية التي ستدفع من خلالها الشركة العامة الجديدة الضرائب حسب ما ذكره العديد من الأشخاص ممن هم على دراية بالأمر. ويقول بعض المستشارين المحليين والأجنبيين إن الموارد المالية لأرامكو والحكومة السعودية في مأزق كبير سيستغرق أشهراً للخروج منه.
وذكر ثلاثة من هؤلاء، على سبيل المثال، إن القيادة السعودية لم تحدد حجم أرباح أرامكو التي ستستخدم لتمويل العمليات الحكومية والمدفوعات للديوان الملكي.
ويقول بعض الأشخاص المطلعين على الأمر إنه بهدف الاستشارة في أمور مثل تقدير احتياطي النفط وعمليات الكشف المالية وكيفية فصل الموارد المالية لأرامكو عن المملكة، استقدمت الحكومة وأرامكو مجموعة من المؤسسات الاستشارية الأجنبية من ضمنها بنوك؛ وشركات محاسبة مثل برايس وتر هاووس كوبرز ش.م.م وشركة إرنست ويونغ ش.م.م؛ وشركات قانونية من بين شركات أخرى.
ورفض متحدث باسم إرنست ويونغ وكذلك متحدث باسم برايس وتر هاووس كوبرز التعليق.
وأضاف ستة أشخاص على اطلاع بالأمر إنه في حين يؤدي المستشارون عملهم بحرص، اشترك محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، بنفسه في التخطيط لعملية الاكتتاب العام. وتعتبر عملية الاكتتاب جزءاً من خطته التي تهدف إلى تقليص حجم اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط.
ورفض الأمير التعليق على لسان المتحدث باسم الحكومة السعودية.
"صندوق سيادي"
ويقول الأمير محمد إن عملية طرح أرامكو للاكتتاب العام تعتبر أولى الخطوات الكبيرة في مشروع يمكن أن يضع عائدات الاكتتاب والكثير من أسهم أرامكو في صندوق سيادي هائل. ويمكن لهذا الصندوق فيما بعد أن يضخ عشرات الملايين من الدولارات في الشركات الدولية والمحلية بعيداً عن صناعة النفط.
في أواخر العام الماضي، أرسل الأمير محمد طائرات هليكوبتر بالقرب من حقل النفط الخاص بأرامكو في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، القريب من مقر أرامكو، وطلب من العاملين إقامة معسكر.
وصرح مصدران مطلعان أن الأمير انتقل بعدها إلى المعسكر على مدار أسبوع خلال الشهر الماضي وطبقاً لما ذكره أحد الاثنين أنه التقى بعض المسؤولين الحكوميين ومن بينهم رئيس مجلس إدارة أرامكو عندما كان هناك.
كما التقى الأمير محمد كبار الشخصيات ومن بينهم توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق. ورفض متحدث باسم توني بلير التعليق على الأمر.
كما قال مصدران مطلعان إن الأمير محمد تلقى الشهر الماضي تقريراً من المديرين التنفيذيين في أرامكو يحتوي على معلومات مالية بشأن عدد الأسهم التي قد يتم طرحها والتبادلات المرتقبة لعملية الاكتتاب.
وأضافت المصادر أن هذا التقرير من المتوقع أن يكون أساساً لعملية الاكتتاب العام. وأكدوا أن مسؤولي ومستشاري الشركة يريدون إبقاء الأمر سراً لحين تسوية عملية الجدولة الخاصة بضرائب أرامكو حتى يحصل المساهمين على صورة واضحة للشركة منفصلة عن الحكومة.
احتمال تقليل الضرائب
بموجب هذه الخطة التي يتبعها محمد بن سلمان، تفرض المملكة هيكل ضريبي جديد على أرامكو. في لقاءات جرت العام الماضي مع مسؤولين من أرامكو ووزير الطاقة السعودي خالد الفالح، وطبقاً لما صرح به أحد الحضور، فقد أعلن الأمير عن رغبته في تقليل الضرائب المفروضة على صافي إيرادات أرامكو إلى ما يقرب من 50%.
يُمكن أن تتماشى عملية تقليل حجم الضرائب مع نية الحكومة لتحويل أرامكو إلى نموذج أشبه بشركات النفط الخاصة، بدلاً من كونها شركة تملكها الدولة والتي تدفع ضرائب أعلى دائماً.
هذا التغيير من شأنه أن يسهم في ضخ المزيد من المال في الصندوق السيادي للبلاد، والذي من المفترض أن يكون القاطرة التي تجر خلفها عشرات المليارات من الدولارات في صورة استثمارات جديدة، ولكنه سيضخ أموالاً أقل في خزائن الحكومة. وهذا من شأنه أن يثير معارضة أفراد من الأسرة الملكية.
وطبقاً لما ذكرته ثلاثة مصادر مطلعة، تحاول أرامكو والحكومة أيضاً التوصل إلى آلية للتعامل مع ملف الدعم في أرامكو، بما في ذلك الغاز الطبيعي الذي تبيعه الشركة بالخسارة إلى محطات توليد الطاقة التي تمتلكها الحكومة.
وطبقاً لأحد المصادر، تدفع المحطات، في بعض الأحيان، قرابة ثلثي تكلفة ضخ الغاز؛ وفي أحيان أخرى، لا تدفع أي مقابل. وأضاف أن المسؤولين السعوديين يعملون على خطط لنقل ملف الدعم للحكومة، تتولى الحكومة بموجبها دفع تكاليف الغاز بالكامل.
وفي حال استمرار هذا الدعم على عاتق أرامكو، من شأن ذلك أن يتسبب في تراجع بعض المستثمرين المحتملين لدى طرح نسبة من الشركة للاكتتاب العام.
ولا تعتبر عملية الاكتتاب هي المحاولة الأولى لأرامكو لانتهاج طريقة شركات النفط الغربية. فعلى مدار سنوات، عينت أرامكو مديرين تنفيذيين لكبرى الشركات العالمية وكذلك مستشارين للمساعدة في تدريب السعوديين على ممارسات الإدارة الأميركية والأوروبية. ولكن هذه الجهود تعارضت مع الأولويات الأخرى مثل زيادة نسبة الموظفين السعوديين داخل أرامكو.
وذكر عدد من المسؤولين السعوديين السابقين والحاليين في أرامكو أن الشركة تشترط في الوقت الحالي أن يكون 80% من العاملين في كل قسم من السعوديين، وهو ما يُعد تحدياً في بعض الأقسام مثل المحاسبة حيث توجد قلة من السعوديين المدربين.
وقالت بعض المصادر المطلعة إنه برغم العقبات، يدفع المسؤولون والمستشارون في أرامكو إلى القيام بعملية الاكتتاب بأسرع وقت ممكن. مؤخراً، قامت أرامكو بالتعاقد مع بنك موليز آند كمباني لتقديم الاستشارات في عملية الاكتتاب العام، كما طلبت تقديم عروض من بنوك أكبر لتأمين العملية، ومن المنتظر أن يُعلن عن تلك العروض في الأسابيع القادمة.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع The Wall Street Journal للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.