يعود المستثمرون الأجانب الآن إلى مصر بعد أن نفَّذت الحكومة سلسلةً من الإصلاحات ذات الحساسية السياسية، ما ساعد على زيادة قيمة الجنيه المصري الضعيف بأكثر من 10% مقابل الدولار، وهو الأمر الذي خفَّف من أزمة العملة الأجنبية.
زادت قيمة الجنيه بنحو 14% مقابل الدولار الأميركي منذ بداية الشهر، وهي الفترة التي باعت مصر خلالها ما تفوق قيمته المليار دولار من سندات الخزانة إلى مستثمرين أجانب، بحسب ما ذكر تقرير لصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية.
وأصدرت القاهرة كذلك سنداتٍ أوروبية بقيمة 4 مليارات دولار نهاية يناير/كانون الأول، وتجاوزت هذه السندات حجم اكتتابها 3 مرات. وأيضاً دعمت الزيادةُ في تحويلات المصريين العاملين في الخارج الاقتصادَ المصري.
وقال محمد أبوباشا، الاقتصادي بمجموعة "هيرميس" المالية، وهو بنكٌ استثماري إقليمي: "بدأ الاقتصاد في التحسُّن لأنَّه تُوجد الآن سيولة، ولأن الدولار يتراجع. وتقول الشركات الآن إنَّها تجد الدولارات التي تحتاج إليها في البنوك، ويتمهَّل بعضها في الشراء لأن السعر سيتراجع أكثر من ذلك".
هذا الإقبال المتجدِّد للمستثمرين على مصر أتى في أعقاب قرار الحكومة زيادة ضريبة القيمة المُضافة، وتقليص الدعم على الطاقة، من أجل التوصُّل إلى اتفاقٍ بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني. وسمحت القاهرة كذلك بتعويم الجنيه العام الماضي بسبب التدهور الاقتصادي والنقص الحاد في العملات الأجنبية.
ويُعَد ارتفاع قيمة الجنيه خبراً جيداً للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي؛ إذ ترزح حكومته تحت ضغط الفقراء الذين يعانون من ارتفاع الأسعار الناجم عن التعويم وإجراءات التقشُّف.
وأدت حالة عدم توفر الدولار السابقة إلى خنق الاقتصاد، وازدهار الأسواق السوداء للعملة. وخلال معظم عام 2016، حافظ البنك المركزي على قيمة الجنيه عند مستوى 8.8 جنيه مقابل الدولار الأميركي، لكنَّ مُشتري الدولار وجدوا أنَّ تلبية احتياجاتهم بالسعر الرسمي أمرٌ مستحيل تقريباً. وفقد الجنيه أكثر من نصف قيمته بعد التعويم في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني.
ويقول مُحلِّلون إنَّ التحدي الذي يواجه الحكومة الآن هو مواصلة الإصلاحات التي تُعزِّز ثقة المستثمرين بدرجةٍ أكبر، وجذب الاستثمارات المباشرة، بهدف توفير فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة المُتدنّية.
وقال اقتصادي مقيم في لندن إنَّ "مزاج المستثمرين الدوليين تجاه المخاطر المصرية حالياً إيجابي للغاية، إذ إنَّ البيئة العالمية تدعم الاقتصاد المصري، ويعترف السوق بالتحسُّن في التوقُّعات الخاصة بمصر منذ اتفاق صندوق النقد الدولي. لكن في الوقت الراهن، لا يزال هذا الدعم قصير المدى. وإذا ما كانت مصر ترغب في تحويل رؤوس الأموال الساخنة قصيرة الأجل في سوقها المحلي إلى تمويلٍ طويل المدى، فإنَّها تحتاج إلى إثبات قدرتها على مواصلة الإصلاحات واستعادة التوازن".
وقالت رضوى السويفي، رئيسة قطاع البحوث في شركة فاروس القابضة، وهي بنكٌ استثماري، إنَّ تغيُّر أنماط الشراء، مع تحوُّل المصريين إلى شراء السلع الأرخص، وإلى السلع المُنتَجة محلياً بدلاً من المُستوردة، قلَّل أيضاً من الطلب على الدولار. وفي الوقت نفسه، تدفَّقت كمية أكبر من الدولارات إلى النظام البنكي من الأشخاص الذين كانوا يحتفظون بمدخراتهم في شكل دولارات أميركية.
وبحسب البنك المركزي، ارتفعت تحويلات المصريين في الخارج كذلك بنسبة 11.1% إلى 4.6 مليار دولار خلال الربع الرابع من 2016.
وأضافت رضوى السويفي: "تخلَّى المُكتنِزون عن دولاراتهم بعد أن سمعوا بأنَّ الأجانب الآن يدخلون السوق. والأمر الذي يُطمئن المُستثمرين هو أنَّ صندوق النقد الدولي يراقب الوضع في مصر. ويعتقد المستثمرون أنَّ هناك إمكانيةً كبيرة للاستثمار، لكنَّهم لا زالوا يستكشفون الوضع".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Financial Times البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.