ليش مفقود؟!

ونحن على أعتاب السنة الثالثة على فقدان مَن هم الأمن والشمل، مَن هم الحماية والسند، القضية التي لم تأخذ حقها في التداول بين الإعلام والمجتمع، من نتناسى وجودهم ووجود مَن يطالبون بعودتهم، مآسٍ تحملها تلك القضية، آهات أمهات وأنين أطفال وصل إلى اليأس في تغيير الواقع الذي نصبو إليه.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/15 الساعة 01:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/15 الساعة 01:28 بتوقيت غرينتش

ونحن على أعتاب السنة الثالثة على فقدان مَن هم الأمن والشمل، مَن هم الحماية والسند، القضية التي لم تأخذ حقها في التداول بين الإعلام والمجتمع، من نتناسى وجودهم ووجود مَن يطالبون بعودتهم، مآسٍ تحملها تلك القضية، آهات أمهات وأنين أطفال وصل إلى اليأس في تغيير الواقع الذي نصبو إليه.

كلما فتحت تلك القضية زادت الآلام وانفتحت الجروح مرة أخرى، بعد موتها بشكل جزئي، نحن لم نكن نعلم أننا على قضية المحك في البحث والتفتيش.
هذه المأساة التي تفتح بمجرد العودة إلى الماضي وتذكر أحداثها بالثانية، لا نتحدث عن أبناء فقط لكننا نتحدث عن آباء وسيدات وأطفال اتخذوا هذا طريقاً لتأمين حياة كريمة لهم، بعيداً عن الحروب والدمار والحياة الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، جراء الحصار والظروف الاقتصادية الصعبة.

دعونا نفكر للحظات، أليس من حق كل أب وأم أن يفكر في مستقبل أفضل لأبنائه وعائلته؟ أليس من حقهم تأمين متطلبات أطفالهم في الأمن والحماية والعيش بكرامة؟
أعتقد أن هذا التفكير يراود كل فرد بالمجتمع وليس الآباء والأمهات؛ لأنه من حقه الطبيعي التمتع بحياة مستقرة وآمنة.
أم فهد عصفور (65 عاماً)، التي تحمل قصة ابنها الكثير من الأحداث الدامية للقلب والمشاعر، والتي بالتالي أرهقت مشاعرها عندما يذكر ابنها الصغير أحمد، وما تعرض له منذ عدوان 2008 – 2009 إلى لحظة اتخاذه قرار الهجرة غير الشرعية على متن سفينة أبحرت في البحر المتوسط، وهنا كانت اللحظة الحاسمة بضرب السفينة وإغراقها في عرض البحر إلى أن اختفى جميع مَن فيها بدون أي معلومات عنهم إن كانوا أحياء أم أمواتاً.
كما هي معتادة كل صباح تدخل أم فهد عصفور غرفة ابنها بمنزلها الواقع ببلدة عبسان شرقي محافظة خان يونس جنوبي قطاع غزة، لتعيد ترتيبها كل يوم، بالرغم من أن لا أحد يدخلها ويعبث بمقتنياتها، ولكنها تشعر بروحه وهي تحيط وتتجول في أركان الغرفة، وفي لحظة وصول الشوق إلى الذروة تجلس على سريره لتحتضن المجسم الذي صنعته على شاكلة فلذة كبدها الذي فقدته على متن سفينة 6-9-2014.

مشهد يُبكي الحجر ويدخلك في حالة من التعاطف والحزن لمصير تلك السيدة، وهي تبكي والدها، فالكلمات لا يمكنها الوفاء بالمشاعر الحقيقية التي تتملكك في لحظتها، ومن ناحية أخرى يشتعل قلبك بالحقد والكراهية على كل شخص لديه يد في اختفاء آثار هؤلاء الأفراد كأنهم لا قيمة لهم منذ عام 2014، دون معرفة مصيرهم الحقيقي.

ومن شدة الاشتياق لابنها الذي أصيب خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008، وتوجه للعلاج داخل المستشفيات الفلسطينية بالأراضي المحتلة، لكنه اعتقل وسجن لمدة 3 سنوات؛ ليخرج بعدها في عام 2014 إلى مصر للعلاج، ومن هناك غادر على متن السفينة وفُقد، صنعت له مجسماً لتشعر بوجوده.

تقول عصفور والدموع تملأ عينيها: "ابني كان يعاني من مرض جعله كالعاجز، وهو الذي دفعه للخروج من قطاع غزة لتلقي العلاج والعودة إلى الحياة الطبيعية"، موضحةً أن ابنها عانى من المرض الذي لازمه على مدار سنوات طويلة.
وتضيف بنبرة صوت حزينة: "10 سنوات قضيتها ما بين الفراق والحزن والألم جراء فقدان ابني؛ إما مسافراً للعلاج أو معتقلاً لدى الاحتلال الإسرائيلى، وآخرها عدم توافر المعلومات الكافية عنه، فهو يحمل لقب جريح ومن ثم أسير لدى الاحتلال الإسرائيلي، وبعدها مفقود في عرض البحر".

وتشير أم فهد، وهي تغمض عينيها من شدة الألم أثناء النظر لصور ابنها الموجود داخل الغرفة الخاصة به، إلى أن فقدانه أثَّر عليها، فهو حياتها، ويعني لها الكثير؛ لذلك فهي تعاني الأمرَّين بسبب فراقه.

أصبحت معتادة على الوحدة برغم وجود أبنائها الآخرين، ولكن أحمد من كان يؤنس وحدتها في ظلمة الليل، وهو مَن كان يخفف من آلامها ويساعدها بكل صغيرة وكبيرة، تعيش أم فهد على أمل يدلها على ابنها ومكان تواجده، ذلك الأمل النابع من قلبها يكبر يوماً بعد يوم، وتكبر معه الحسرة على عدم اهتمام الجهات المعنية بقضية ابنها، والكثير ممن فقدوا على متن السفينة.

لم يكن أحمد الحالة الوحيدة الذي فُقدت آثاره، بل كان برفقة نحو 450 مهاجراً بينهم العشرات من سكان قطاع غزة في السادس من سبتمبر/أيلول 2014 بعد غرق قاربٍ كانوا يستقلونه في عرض البحر الأبيض المتوسط أثناء إبحارهم من السواحل المصرية باتجاه أوروبا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد