عن مواقع التواصل الاجتماعي

لا ريب أن مواقع التواصل الاجتماعي وباء عصرنا الحالي، وباء اكتسح حياتنا من غير سابق إنذارٍ، تهشم نظرك، تجردك جزئياً من الوعي، وربما تثخنك بالجروح الأزلية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/15 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/15 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش

لا ريب أن مواقع التواصل الاجتماعي وباء عصرنا الحالي، وباء اكتسح حياتنا من غير سابق إنذارٍ، تهشم نظرك، تجردك جزئياً من الوعي، وربما تثخنك بالجروح الأزلية.

مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان، مثله مثل الطعام والشراب، البعض أصابه إدمان فصار الناس مهووسين بها بسبب ما وفرته لهم من مجالات، أعرف أناساً قاموا بتحدٍّ فيما بينهم للتوقف عن تصفح مواقع التواصل الاجتماعي لمدة أربع وعشرين ساعةً، ولكن لم يصمدوا لمدة أربع ساعاتٍ أو حتى أقل، وجميعنا نتفق على أن استخدامنا لمواقع التواصل الاجتماعي ليس إلا لاعتقادنا بأنها تجهض أحزاننا، وتنشل الممل المميت من حياتنا، فهي تتستر على عيوبنا وتظهر كل ما هو جيد في الإنسان أو بالأحرى ما يريد كشفه للناس، لا أنكر بأن هناك ايجابيات لمواقع التواصل الاجتماعي، ولكن في نظري السلبيات تفوقها بمراحل أكثر، خاصة في المرحلة الراهنة!

ومن السلبيات لمواقع التواصل أنها أصبحت تؤثر على علاقات الشخص مع الآخرين، بحيث يكون جالساً مع أصحابه، ولكنه ممسك بهاتفه، وأيضاً الغالبية العظمى منا عندما يستيقظ من نومه يفتح عينيه على مواقع التواصل، ولا ننسَ أيضاً المشاكل الصحية نتيجة الجلوس لساعات طويلة التي تؤثر على النظر، ومشاكل في الرقبة، وهو ما أطلقه عالم الفيزياء الأميركي (دين فيشمان) بما يسمى متلازمة النص العنقي "text neck syndrome"، التي تصيب عنق الإنسان الناجمة عن انحناء الرأس للأمام والأسفل عند النظر وقراءة النصوص الإلكترونية عند استخدام الهواتف الذكية، أو الأجهزة اللوحية لفترة زمنية.

حقيقةً أخرى، تختلج عقولنا فكر مريض، تفاقم عنان السماء حتى أصبح بما يسمى (التعصب)، في أثناء تجولي في الصفحات السياسية والرياضية، التي كثيراً ما أزورها لمحت تعليقاتٍ تنذر باصطدامٍ مجلجلٍ سيحدث بين الأشخاص؛ لاختلاف آرائهم، الاختلاف بحد ذاته يؤذيهم، من الاختلاف يصنعون الخلاف.

خلافهم يبدأ بالشتائم، وينتهي بمعركةٍ مدميةٍ منقطعةٍ النظير من تصلبٍ للرأي، هذا الإعراض والاستبداد بالرأي ليس غريباً، فهو موجود في الحياة وعلى مر العصور، ليس الأمر بجديدٍ، ولكني أعجب لهؤلاء الناس حين أعطتهم الحضارة كثيراً من المعرفة والحقائق، ولكنهم مع ذلك يتحمسون لصحة أفكارهم مهما كانت صحتها، ولست أنكر عليهم حرية التعبير عن رأيهم، ولكني أرثي لحالهم حين لم يتركوا للآخرين فرصة إثرائهم، فمهما اجتهد الواحد منا لا بد أن تبقى نظرته قاصرة، ولا بد له من التثبت والتشاور والعلم حتى يحكم رأيه، ومع كل هذا الزخم المعرفي، وتنوع مصدر المعلومة يجب على المرء أن يكون متأنياً في طريقة تفكيره؛ لينال ما يريد، وليس من الحكمة أن يتعصب لرأيه، ويصبح أعمى باختياره عن الحقيقة الساطعة، فلنعانق اختلافاتنا لنغوص في أعماقنا، ونحضن أرواحنا، ويفهم بعضنا بعضاً.

ومن جهةٍ أخرى، فإن الشهرة أصبحت هدفاً وحلماً للكثير من فئة الشباب، أفعال غبية وتصرفات لا إعراب لها، يقومون بها، كيف السبيل إلى الشهرة؟ ماهية الطريقة، لا علم لهم بها، كما قلت سابقاً الشهرة هي هدفهم الحتمي، القيام بالفيديوهات الصبيانية لإشباع رغباتهم الساذجة إحدى طرقهم وحتى عرض التفاصيل اليومية لحياتهم من كلماتٍ تجعلني ضاحكةً ساخرةً (hi snapi) أو (hi snapers)، والمقصود المتابعون لتلك الشخصية، سواءً أكانت شخصية مشهورة أو حتى شخصية عادية!

ومن الملاحظ أيضاً انتشار عددٍ كبيرٍ من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لا يكون المحتوى فيها سوى الفكاهة والسخرية، وترى متابعي هذه الصفحات بالملايين، وهذا إن دل على شيءٍ فإنما يدل على شعوبٍ محملةٍ بالهموم ولا تجد إلا الهروب من هذا الواقع الذي تمر به الأمة إلى العالم الافتراضي، أثقلت الأمة بآلامٍ وحالات اللاوعي تجتاحني رغبةً في الفتك بكل تلك السخافات.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد