قال أحد وكلاء الشحن في البصرة، مشيراً إلى الميناء الذي يفصل العراق عن جيرانه الجنوبيين: "صُعقنا عندما رأينا العلم الكويتي يرفرف في ممرنا المائي".
تصادف هذا الأمر مع تسريب وثائق، منذ أسبوعين، يقول المنتقدون إنها تمنح حقوق ممر خور عبدالله المائي العراقي إلى الكويت، بحسب ما ذكر موقع "ميدل إيست آي".
ودافع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، عن هذه الخطوة، مشيراً إلى أنَّها قد تمت بحسب اتفاقية بحرية وافق عليها رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، منذ 4 أعوام.
لكنَّ توقيع العبادي بالموافقة لم يؤدِّ إلا إلى اشتعال الغضب في البلاد.
وأعلن مجلس الأمة الكويتي عن جلسة مغلقة للبت في أمر النزاع، من المقرر عقدها في الـ14 من فبراير/شباط الجاري، وذلك استجابة للتظاهرات العارمة التي عمَّت جنوب العراق.
وكان عدد من الاتفاقيات الثنائية قد وُقّع مع الكويت، في فترة حكم المالكي، لتنظيم استخدام هذه القناة الحدودية.
ومع ذلك، فإنَّ ما لا تحدده هذه الاتفاقيات أو تقره، هو نقل ملكية خور عبدالله.
وألقى سياسيون، وشخصيات من المجتمع المدني، باللائمة، لا على المالكي وحده، وإنما على العبادي أيضاً لإقراره اتفاقية لا زالت محاطة بالسرية.
ووصف طيار بحري سابق من البصرة، تحدَّث إلى موقع "ميدل إيست آي" بشرط عدم الكشف عن اسمه، الاتفاقية بأنها "خيانة" وتفتقر إلى "المشروعية في صورة الرضا الشعبي، والوثائق، والإشراف القضائي".
وقال: "أولئك الذين كانوا مسؤولين عن توقيع هذه الاتفاقية البحرية عام 2013 صمتوا فجأة".
ما هو خور عبد الله؟
العراق بلد غير ساحلي، باستثناء بقعة صغيرة من الأرض المتنازع عليها في الجنوب، يحدّه الكويت غرباً وإيران شرقاً.
خور عبدالله قناة مائية ضيقة تفصل العراق عن الكويت.
في رأس القناة يقع ميناء أم القصر العراقي الجاف للبضائع، وهم المدخل الوحيد للعراق إلى الخليج.
يفصل خور عبدالله الكويت عن نهر شط العرب الشهير، وهو نهر يقع بين العراق وإيران.
ويتكون نهر شط العرب هذا من تداخل نهري دجلة والفرات، ويعمل حداً نهرياً يفصل العراق عن إيران، تماماً كما يفصل خور عبدالله العراق عن الكويت.
وكانت ملكية شط العرب، المعروف في إيران بـ"اَروَندرود"، موضوعاً للنزاع بين العراق وإيران، وأرضاً لمعركة محورية بين البلدين منذ عام 1980 حتى 1988، وهو ما يظهر الأهمية التي يوليها العراق لهذا المدخل له إلى البحر.
ومع ذلك، فإنَّ الخلاف الحالي يدور حول خور عبدالله. كانت هذه القناة المائية محلاً للنزاع منذ الأيام الأولى لدولتي العراق والكويت الحديثتين، وهما دولتان كانت الإمبراطورية البريطانية هي من تقرر حدودهما في مناسبات كثيرة.
ولما كان خور عبدالله هو المدخل الوحيد للعراق إلى الخليج من أم القصر، فقد اعترفت بريطانيا، ومن قبلها الدولة العثمانية، بخور عبدالله جزءاً من المياه الإقليمية العراقية.
واليوم، يعد الخور شريان الحياة المائية للعراق، إذ تمر عبره 80٪ من الواردات العراقية.
"سيكون هذا الأمر موضوعاً ساخناً للغاية"
قال الخبير البحري، والمحامي الدولي بيير إيمانويل دوبون، في لقاء صحفي أجراه معه موقع "ميدل إيست آي" حول تعقيدات هذا الترسيم الحدودي: "الخط الفاصل لم يحدد فعلياً حتى الآن، ولم يوضح أو يمثل بالرسم الجغرافي في الخرائط المعاصرة".
وأضاف دوبون: "من وجهة نظر قانونية، فإنَّ هذا النزاع ليس محله القوانين البحرية أو القانون الدولي للمياه. فبصفته مصباً، فإنه يندر تحت السلطة القضائية للدولة".
وأكد أنه بعد اجتياح صدام حسين للكويت في أغسطس/آب عام 1990 "وقع المصبّ تحت انتداب الأمم المتحدة، بموجب القرار رقم 833".
ونقلت "التايمز" البريطانية عن أحد مسؤولي الأمم المتحدة وقتها قوله: "سيكون هذا الأمر موضوعاً ساخناً للغاية.. وقد يمهد للمزيد من الصراع". وأضاف المسؤول: "قد ينتهي الأمر بالعراق إلى أن يعتمد وصوله إلى المياه على الشهامة الكويتية".
عينت الأمم المتحدة عام 1993 لجنة مهمتها إعادة ترسيم حدود البلدين، لكنًّ عملها أُعيق بسبب اتهامات بتجاوز اللجنة لحدود التفويض الممنوح لها.
تجلى النزاع، في السنوات الأخيرة، في تشييد الموانئ، إذ تسابق كلا البلدين في بناء موانئ ضخمة منافسة.
ونجحت الكويت في تشييد ميناء مبارك بقيمة 1.6 مليار دولار، بينما أجّل الفساد المستشري مشروع ميناء الفاو العراقي بقيمة 4 مليارات دولار.
العراق يتحد ضد بغداد
وصل التوتر المستعر إلى نقطة الغليان الأسبوع الماضي خلال جلسة برلمانية شطرت أعضاء البرلمان العراقي إلى قسمين متعارضين.
فقد هاجم أحد النواب العراقيين، خلال جلسة التصويت للتصديق على تسليم خور عبدالله، حكومة العبادي لتنازلها عن السيادة العراقية.
وفي مقابلة حديثة أجراها التلفاز العراقي مع القاضي السابق، والسياسي الشيعي المستقل وائل عبداللطيف الفاضل، قال الأخير إنَّ القرار ينتهك حقوق العراقيين الذين "كانوا، خلال السبعين عاماً الأخيرة، مسؤولين عن إدارة الميناء، واستخدامه والملاحة فيه، ومراقبة عمليات الحفر البحرية وحماية البيئة".
وأجري هذا اللقاء مع قناة NRT التي تربطها صلات بحكومة إقليم كردستان.
ووبّخت حنان فتلاوي، من ائتلاف دولة القانون الموالي للمالكي، العبادي في مؤتمر صحفي لعدم حمايته "الأجيال العراقية الحالية والقادمة".
وقالت: "ليس هناك فرق بين خور عبدالله وأي شبر آخر من الأراضي العراقية، ليس الخور ملكاً للدولة حتى تهبه".
ويعد ائتلاف دولة القانون أكبر كتلة في البرلمان العراقي، لكنه ليس جزءاً من حكومة العبادي.
وانتشر هاشتاغ "خور عبدالله عراقي" على وسائل التواصل الاجتماعية في العراق، عندما انضم المواطنون العراقيون لهذه الحملة المتصاعدة.
وانضم إلى هذه الحملة قيس الخزالي، قائد ميليشيا عصائب أهل الحق الشيعية إلى هذه الحملة.
ونشر الناشط قاسم الحياتي فيديو يستخدم فيه الكلمة المنطوقة لمواجهة تسليم الخور، وإشعار الحكومة بالعار قال فيه مخاطباً البرلمان: "لقد حان الوقت لتستفيقوا من نعاسكم".
وأضاف الحياتي، المولود في البصرة، شاكياً في هذا الفيديو الذي ذاع وانتشر في وسائل التواصل العراقية: "لقد بعتم أرضنا، ومائنا، ماذا سوف تبيعون أيضاً؟ أضرحتنا؟ حضارتنا؟".
وفي غضون ذلك، عمَّت التظاهرات شوارع البصرة للأسبوع الثاني، تأكيداً على حقوق سيادة العراق.
وستكون مدينة البصرة، التي يلقبها العراقيون بـ"الفم الذي يطعم البلاد بأكملها"، أكثر المتضررين من نقل ملكية خور عبدالله، نظراً لوقوعها في المحافظة.
وتجمّع نشطاء المجتمع المدني بالمئات حول مقر المجلس المحلي للبصرة وساروا ناحية القناة.
وشاركت الحركة الصدرية المؤثرة، تحت قيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، في المظاهرات في البصرة، التي تعد معقل الحركة.
ومع ذلك، فلم تكن هذه المشاركة من قبل البرلمانيين ورجال الدين أمراً مرحباً بها من قبل الجميع.
فقد قال الناشط العراقي ضرغام الزيدي لموقع "ميدل إيست آي": "الأحزاب الدينية، والبلطجية المرتبطين ببعض أعضاء البرلمان بدأوا في اختراق هذه المظاهرات الشعبية لأغراض انتخابية".
وتعود أصول الزيدي إلى أسرة من النشطاء، إذ اشتهر أخوه منتظر الزيدي، عندما ألقى بالحذاء على جورج دبليو بوش عام 2008.
حرب مائية تلوح في الأفق؟
قال المتحدث الرسمي باسم العبادي، سعد الحديثي، إنَّ الموافقة والإقرار على الاتفاقية البحرية أقرها البرلمان عام 2012.
وأضحت الحكومة العراقية أنَّ العراق ليس بإمكانه الرجوع عن هذا القرار دون موافقة الكويت.
أما الكويت فقد أنكرت الاتهامات الموجهة إليها بأنها قد انتهكت سيادة الأراضي العراقية.
وقال نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، إنَّ الخرائط المحدثة ينبغي أن ترسم وفقاً للقرار رقم 833.
وكان عامر عبدالجبار، وزير النقل العراقي في الفترة بين 2011 و2014، قد راودته الشكوك، خلال العقد الماضي، حول الطموحات الجيوسياسية للكويت.
وزار عبدالجبار، خلال أول شهرين في منصبه، المسؤولين الكويتيين، وحثهم على إيقاف بناء ميناء مبارك، الذي سيمنع وصول العراق إلى البحر وقدرتهم على التجارة من خلاله.
وقال عبدالجبار، في مقابلة مع قناة الأحد، إنَّ المالكي قد أحضر هادي العامري ليحل محله بسبب معارضته للكويت.
وأضاف للقناة ذات الصلة بعصائب أهل الحق، خصوصاً الخزالي نفسه الذي يمول القناة: "هذه الاتفاقية التي وقعت عام 2013 ليست ملزمة قانونياً".
وأوضح عبدالجبار: "ينبغي تأجيل الاتفاقية، أو إلغاؤها فوراً. وأكد أنَّ الاتفاقية "وقعها العامري فحسب بصفته وزير النقل العراقي في ذلك الوقت".
وهاجم عبدالجبار وآخرون الكويت "لاستفادتها بمهارة من أزمة الحكم في البلاد".
وأصدر مكتب العلاقات الدولية للعراق، وهو جماعة معارضة مقرها لندن، بياناً، أدان فيه بما سمّاه "التنازل الكارثي" الذي "يضمن حدوث نزاعات وحروب حدودية في المستقبل".
وجاء في البيان: "لا يجد مكتب العلاقات الدولية للعراق أي تبرير قانوني لإقرار بيع أثمن ممر مائي للبلاد".
ومن المحتمل أن تكون المخاطر التي تواجه العراق بمجرد إقرار اتفاقية 2013 جسيمة للغاية، وهو ما سيحد من قدرة العراق على التطوير والتجارة.
وكما قال أحد المتظاهرين: "لا شيء سيصيب العراق بانتكاسة مثل بيع خور عبدالله".
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.