حذر كبار مسؤولي الدفاع والاستخبارات البيتَ الأبيض من مغبة اقتراح إدراج الحرس الثوري الإيراني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعرض القوات الأميركية في العراق والحرب الشاملة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) للمخاطر، وسيكون بمثابة استخدام غير مسبوق لقانون لم يتم إقراره في الأصل لحظر المؤسسات الحكومية.
وقد أعرب كبار مسؤولي الدفاع والاستخبارات عن تلك المخاوف خلال الأيام الماضية، بينما كان البيت الأبيض يستعد لإصدار قرار تنفيذي للتعامل مع كل من الحرس الثوري الإيراني وجماعة الإخوان المسلمين، بحسب ما ذكره مسؤولون بالإدارة اشترطوا عدم ذكر أسمائهم نظراً لكونهم غير مخولين بمناقشة تلك القضية الحساسة، بحسب ما أورد تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
وكان القرار يستهدف توجيه وزارة الخارجية الأميركية –التي تتولى المسؤولية عن عملية الإدراج– لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإدراج المنظمتين ضمن القائمة الإرهابية.
وذكر أحد كبار مسؤولي البيت الأبيض أن القرار لا يزال يخضع للدراسة كجزء من تصميم الإدارة الجديدة على اتخاذ موقف متشدد ضد إيران؛ ومع ذلك، أعرب المسؤول عن مخاوفه قائلاً "لا أعتقد أن الأمر لا يتعلق بالدفاع والاستخبارات، بل يتعلق بنا".
وأضاف: "الأمر كله يتعلق بسلوك إيران، ونحن ندرس الكثير من الأمور. ولكن ما نقرره بالفعل يكون مختلفاً".
كانت حماسة البيض الأبيض تجاه إصدار تلك التعليمات متوهجة بنهاية الأسبوع الماضي، حيث كان من المخطط إصدارها يوم الثلاثاء 31 يناير/كانون الثاني 2017.
ومع ذلك، فمنذ ذلك الحين، فإن أجهزة الأمن القومي، التي لا تزال تعاني من إخفاق البيت الأبيض في فحص ودراسة قرار الهجرة الصادر خلال شهر يناير/كانون الثاني 2017 قبل توقيع الرئيس ترامب عليه، تشعر بالقلق البالغ جراء تكرار الانتقادات والفوضى التي ترتبت على ذلك القرار.
وفي سؤال حول القرار خلال إلقائه البيان الموجز للبيت الأبيض الأربعاء 8 فبراير/شباط 2017، رفض المتحدث الرسمي للبيت الأبيض شون سبايسر الإدلاء بأي تعليق وقال "لا أحد يستطيع أن يتشكك في التزام الرئيس بمواجهة المخاطر التي نواجهها من قبل الإرهاب الإسلامي المتطرف… وتتمثل الخطوة الأولى في معرفة العدو والإعلان عنه".
100 ألف جندي
ويعد إدراج الحرس الثوري الإيراني –وهي قوة تتألف من أكثر من 100 ألف من جنود الجيش والبحرية والقوات الجوية بالإضافة إلى كونها قوة اقتصادية هائلة– بمثابة المرة الأولى التي يتم فيها تطبيق قانون المنظمات الإرهابية الأجنبية على مؤسسة حكومية رسمية.
ويتولى الحرس الثوري -الذي أسسه آية الله روح الله خميني في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979 لتحقيق التوازن مع الجيش الإيراني- المسؤولية عن الأمن الداخلي، ويعد كذلك بمثابة قوة قتالية تقليدية يتم نشرها في خارج البلاد، بما في ذلك في العراق وسوريا.
وقد تم إدراج الحرس الثوري، بما في ذلك كتائب القدس، التي تمثل جناح العمليات الدولية من النخبة، وعدد من الشركات والأفراد التابعين له، ضمن قائمة المنظمات الخاضعة للعقوبات من قبل وزارة الخزانة عام 2007 بتهمة ممارسة ودعم الأنشطة الإرهابية.
ومع ذلك، سيكون لمقترح إدراج الحرس الثوري ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية من قبل وزارة الخارجية الأميركية تأثير أوسع نطاقاً على قدرة الإيرانيين على السفر والوصول إلى النظام المالي الدولي.
ورغم أن إدارة أوباما درست اتخاذ مثل هذا الإجراء، إلا أنها قررت في النهاية عدم جدواه، بحسب ما ذكره أحد كبار مسؤولي الأمن القومي السابقين.
وإيران واحدة من بين ثلاثة بلدان، تضم سوريا والسودان أيضاً، تعتبرها الولايات المتحدة رعاةً للإرهاب، بما أدى بها إلى فرض عقوبات مشددة عليها.
ولا يسري قانون المنظمات الإرهابية الأجنبية حالياً سوى على "الأطراف غير الدولية"، ومن بينها تنظيمات مثل القاعدة و60 تنظيماً آخر مدرجاً حالياً بالقائمة.
وقال أحد المسؤولين إن قرار إدراج الحرس الثوري يضاهي في جسامته قيام إحدى الدول الأجنبية بإدراج جيش أي دولة أخرى ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.
ويحظر قرار الإدراج أيضاً تقديم أي "دعم مادي" أو غيره من أنماط الاتصال بالكيان المحظور، ولقد أثيرت قضية مماثلة حينما حاولت وزارة الخارجية الأميركية في عهد أوباما مواجهة مشكلة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المناهضة للخوميني، التي نقلت مقرها إلى العراق في أعقاب ثورة 1979، وتم إدراجها ضمن قائمة المنظمات الأجنبية الإرهابية عام 1997.
ورفضت الحكومة ذات الأغلبية الشيعية الموالية لإيران، التي تولت زمام الأمور في العراق في أعقاب الغزو الأميركي تواجد ذلك الكيان، الذي حظي بالحماية الأميركية بعد ذلك، رغم إدراجه ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. وتم رفع مجاهدي خلق من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية عام 2012.
وهناك جهود مماثلة تجري حالياً في الكونغرس لإدراج الحرس الثوري ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، حيث قدم السناتور تيد كروز (الجمهوري عن ولاية تكساس) مشروع القانون في شهر يناير/كانون الثاني 2017.
لماذا يتخوف البنتاغون من القرار؟
ورغم عدم وجود حب مفقود بين وزارة الدفاع الأميركية والحرس الثوري، إلا أن مسؤولي البنتاغون يشعرون بالقلق خشية أن يؤدي إدراج الحرس الثوري ضمن القائمة إلى التأثير على الاتصالات غير المباشرة التي تحتفظ بها القوات الأميركية مع الميليشيات الشيعية الموالية لقوة القدس في العراق.
وتتضمن العديد من تلك الجماعات مقاتلين شيعة كانوا يهاجمون القوات الأميركية التي تحتل العراق حتى نهاية عام 2011، حينما انسحبت القوات الأميركية.
ورغم حدوث مشكلات مبدئية حينما عادت القوات الأميركية اعتباراً من عام 2014 لمساعدة العراق في حربه ضد تنظيم داعش السني، إلا أن الطرفين وجدا نفسيهما في الجانب ذاته في مواجهة المتمردين (السنة).
ورغم أن كلتا القوتين تعملان حالياً قرب بعضهما البعض، وخاصة وسط الحرب التي تدور رحاها في الموصل والمناطق المحيطة بها بشمال العراق، فإن هناك اتفاقا ضمنيا تم التفاوض عليه بوساطة الحكومة العراقية ينص على تجنب الصدامات المباشرة.
وتتمثل المخاوف في أن يؤدي أي انتهاك لهذا التعايش الهش إلى تقويض الحرب ضد الإرهاب، وربما ينجم عنه أيضاً تجدد الاعتداءات الشيعية ضد القوات الأميركية، بحسب ما ذكره المسؤولون.
سقوط روحاني
وقد تؤدي الخطوة الجديدة ضد الحرس الثوري أيضاً إلى دعم موقف المتشددين الإيرانيين بالداخل ضد الرئيس حسن روحاني، الذي تفاوضت حكومته على الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية.
ومع ذلك، فمن غير المحتمل أن يكون الاحتفاظ بروحاني رئيساً للجمهورية خلال الانتخابات الرئاسية المزمع انعقادها في شهر مايو/أيار بمثابة إحدى أولويات إدارة ترامب، التي اعتبرت الاتفاقية "صفقة سيئة" شجعت سلوك إيران السيئ في المناطق الأخرى.
وفي الأسبوع الماضي، فرضت الإدارة عقوبات جديدة على 25 شخصاً وكياناً إيرانياً رداً على اختبار القذائف الباليستية الذي ترى أنه ينتهك الاتفاق النووي.
الإخوان المسلمون
أما إدراج تنظيم الإخوان المسلمين، وهي حركة دينية واجتماعية تأسست منذ نحو 100 عام في مصر، ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية سيؤدي إلى مواجهة مشكلات مختلفة.
ويختلف الخبراء حول نتيجة ذلك، ويشيرون إلى أن تنظيم الإخوان المسلمين ليس تنظيماً فردياً، بل حركة إسلامية سنية واسعة النطاق وعابرة للحدود تختلف فصائلها إلى حد كبير من حيث الأهداف والأنشطة في البلدان المختلفة.
وفي مصر، حيث يسعى ترامب وراء إقامة علاقة أكثر قوة مع النظام، أطاحت الحكومة العسكرية الحالية بحكومة الإخوان المسلمين المنتخبة عام 2013، واعتبرت التنظيم منظمة إرهابية.
ويرى الحلفاء الأميركيون الآخرون، ومن بينهم تركيا، أنها منظمة سياسية مشروعة. ويمثل حزب الإخوان المسلمين في الأردن 10% من البرلمان.
وحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز يحظى الجزء المتعلِّق بإيران بدعمٍ كبيرٍ داخل البيت الأبيض، أمَّا الزخم وراء المقترح المُتعلِّق بالإخوان المسلمين فيبدو أنَّه تباطأ في الأيام الأخيرة وسط اعتراضاتٍ من مسؤولين مهنيين بوزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي يجادلون بأنَّه ما من أساس قانوني لتلك الخطوة، وأنَّها قد تستعدي حلفاء في المنطقة.
وقال مسؤولون سابقون، بحسب نيويورك تايمز، إنَّهم علموا أنَّ القرار كان سيُوقَّع الإثنين، 13 فبراير/شباط، لكنَّه أُزيل الآن عن القائمة، وذلك حتى الأسبوع المُقبِل على الأقل.
وقد يعكس التأجيل رغبةً أكبر من جانب البيت الأبيض في تخصيص وقتٍ أطول للقرارات التنفيذية بعد الفوضى التي صاحبت القرارات التنفيذية التي صدرت على عجل، مثل ذلك المُتعلِّق بالحظر المؤقَّت للزائرين من سبعة بلدانٍ ذات غالبيةٍ مُسلِمة. لكنَّه في الوقت نفسه يؤكِّد على الديناميكيات المُعقَّدة التي تتعلَّق بالإخوان المسلمين، التي لا تمتلك أفرعها سوى علاقاتٍ ضعيفة عبر الحدود الوطنية.
وقال مُنتقِدون إنَّهم يخشون من أنَّ فريق ترامب يرغب في إيجاد مسوِّغٍ قانوني للتضييق على الجمعيات الخيرية الإسلامية، والمساجد، والجماعات الأخرى في الولايات المتحدة. ومن شأن التصنيف الإرهابي أن يُجمِّد أصولاً، ويمنع تأشيرات دخول، ويحظر تعاملات مالية.
وقال أحد مساعدي وزير الخارجية خلال حكم أوباما، توم مالينوفسكي، إنَّ "ذلك سيؤشِّر على أنَّهم أكثر رغبةً في إثارة صراعٍ مع طابورٍ خامس مُتصوَّر من المسلمين في الولايات المتحدة من الحفاظ على علاقاتنا مع شركائنا في مكافحة الإرهاب مثل تركيا، والأردن، وتونس، والمغرب، أو محاربة الإرهاب الحقيقي".
ويُعَد مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، الذي يصف نفسه بأنَّه أكبر منظمة إسلامية للحقوق المدنية في الولايات المتحدة، من بين أولئك المعترضين. وقد اتَّهمه جافني وآخرون بكونه واجهةً للإخوان المسلمين، الأمر الذي نفاه المجلس. وقال إنَّ قراراً كهذا من جانب ترامب سيكون محاولةً سافرة لإخضاع المسلمين.
ولا يزال الشكل الذي سيكون عليه قرار الرئيس الأميركي غير واضح. ويحتمل أن يُكلِّف ترامب وزير الخارجية ريكس تيلرسون لمراجعة ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين يجب أن تُصنَّف تنظيماً إرهابياً. وخلال جلسة استماعه أمام مجلس الشيوخ، جمع تيلرسون الإخوان المسلمين مع القاعدة واعتبرهما معاً "وكلاء للإسلام المُتطرِّف"، وفقاً لنيويورك تايمز.
لكنَّ مسؤولين قد يحاولون تضييق نطاق قرارٍ كهذا لتجنُّب تأثيره على أفرع الإخوان المسلمين خارج مصر، أو قد يضعون القرار جانباً انتظاراً لتشريعٍ من الكونغرس.
وقال مسؤولون ومقربون من فريق ترامب، إن مستشارين آخرين لترامب وكثيرين من المسؤولين المخضرمين بالأمن القومي ودبلوماسيين ومسؤولين بوكالات إنفاذ القانون والمخابرات يرون أن جماعة الإخوان المسلمين تطورت بشكل سلمي في بعض الدول.
هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية٬ اضغط هنا.