حتى القس الذي أحرق نسخة من القرآن نفسه أصابته الدهشة عندما قُبل للعمل سائقاً لدى شركة "أوبر" لخدمة التاكسيات في أميركا خلال يناير/كانون الثاني 2017.
"لا أدري مدى البحث الذي يجرونه!"، هكذا علق تيري جونز القس ذو الـ65 عاماً الذي أغضب مئات الملايين من المسلمين وهو يتحدث من منزله في فلوريدا السبت 28 يناير/كانون الثاني 2017 عندما سئل عّن كيفية قبوله في شركة أوبرا العالمية التي تعمل في مختلف أنحاء العالم بما فيها دول إسلامية.
إذا بدا لك اسم جونز مألوفاً فالسبب هو أنه شغل العناوين الرئيسية للصحف في أنحاء العالم في 2010 عندما نظم اليوم العالمي لحرق المصحف. ما أشعل مظاهرات عالمية وتهديدات بالقتل وجعله الرقم الثاني على لائحة أهداف القاعدة. إذ إن هناك جائزة قدرها مليونا دولار للقبض عليه، كما طالب رجل دين إيراني متشدد بإعدامه، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
منذ ذلك الحين ومساعي القس المتطرف المالية توضع دائماً تحت المجهر. كان يأمل في نقل كشكه الصغير الذي يبيع فيه البطاطا المقلية والمسمى "فراي جايز" من أحد مراكز التسوق بفلوريدا إلى مركز تسوق آخر عندما بدأ المديرون في إدراك من يكون، بعد أحداث مجلة شارلي إيبدو في باريس التي أساءت للنبي محمد بفترة قصيرة أصبح كشكه الصغير منصة وعظية لرسائله المعادية للإسلام. وبهذا شغل الأخبار المحلية من جديد.
يتذكر كيف نظر إليه أحد مديري مركز التسوق نظرة فاحصة قائلاً "فراي جايز". حينها أدرك جونز أنه لن يحصل على الموقع الذي يسعى له.
لكن أوبر على حد تعبيره لم تنقب في ماضيه عندما سعى للعمل معها لدعم "شبه تقاعده" في مطلع عام 2017.
يقول جونز "تساءلت إن كان الأمر عينه سيحدث مجدداً.. لكنهم لم يسألوا".
لا نتسامح مع العنصرية؟
بعد السؤال الذي وجهه مراسل الواشنطن بوست قامت أوبر بتعليق عمل جونز السبت 28 يناير/كانون الثاني 2017 للتحقيق في حسابه ونشاطه على المنصة.
يعترف جونز بأنه شارك ركابه رسائله المعادية للمسلمين وبأنه يحمل مسدس 9 ملي متر للدفاع عن نفسه، وهو ما يخالف لائحة أوبر التي تمنع حمل الأسلحة النارية.
علمت الواشنطن بوست بعمل جونز مع الشركة عندما تلقت اتصالاً من زبونٍ ركب معه وتعرف عليه و انزعج من الأمر.
يقول جونز عن حمل المسدس"إذا كنت تقود الناس في الأرجاء فلا ضرر من حمل وسيلة تدافع بها عن نفسك" مستدركا بالقول أنه لم يكن يعلم شيئا عن سياسية أوبر بخصوص الأسلحة النارية.
عمل جونز كسائق لدى شركة أوبر في مناطق برادنتون وساراسوتا ومنطقة خليج تامبا منذ شهر كامل وهي نفس الفترة التي كانت الشركة تدافع فيها عن نفسها لمواصلة عملها أثناء مظاهرات سائقي التاكسي ضد قرار حظر السفر الذي أصدره ترامب وأكدت الشركة على دعمها للمهاجرين واللاجئين.
صرحت المتحدثة باسم أوبر السبت 28 يناير/كانون الثاني 2017 قائلة "كما تشير تعليمات أوبر فنحن نحافظ على سياسة عدم التسامح مع أي نوع من أنواع العنصرية" وأضافت "نتوقع من السائقين والركاب أن يعاملوا بعضهم باحترام كامل على الدوام ولا شيء أقل من ذلك.
وأضافت المتحدثة : ما حدث هنا غير مقبول على الإطلاق وليس له مكان في مجتمعنا وقد قمنا بسحب تصريح السائق وننظر في المسألة في الوقت الحالي".
أما جونز فيقول إنه يستمتع بالفرصة التي تتيح له كسب المال في وقته الخاص. يقدر أنه حصل على 400$ الأسبوع الماضي نظير عمله ما يقارب الـ 50 ساعة.
كيف حصل على الوظيفة؟
لكن حقيقة أن جونز استطاع الحصول على وظيفة لدى الشركة تعيد طرح السؤال المتجدد حول فاعلية عملية الفحص التي تجريها الشركة لسائقيها.
جونز صريح في معاداته للإسلام، وقد قام مركز قانون الفقر الجنوبي ورابطة مكافحة التشهير بوضعه على قوائم المراقبة الخاصة بهما والتي تضم مجموعات الكراهية.
لم يحاول جونز إخفاء معتقداته وأصر في مقابلة له 28 يناير/كانون الثاني 2017 على أنه يؤمن بأن حظر السفر الذي أصدره ترامب يجب أن يمتد إلى أبعد من ذلك وأن يشمل "كل المهاجرين الإسلاميين إلى أميركا في الوقت الحالي".
تقول أوبر إن جونز تجاوز فحص الخلفية في يناير/كانون الثاني 2018 وكان فاعلاً على التطبيق الخاص بالشركة لأقل من أسبوعين.
يمتد الفحص الذي يشمل قواعد البيانات المحلية والفيدرالية و سجلات السيارات، إلى سبع سنوات سابقة. بينما تدين الشركة تصرفات جونز، إلا أنها تقول إن تصرفاته السابقة لا تقصيه لأن الحالتين اللتين اعتقل فيهما مؤخراً قد استبعدتا.
تهديد لحياة الركاب؟
أبدى أحد الركاب الذين ركبوا مع جونز مؤخراً قلقه من أن التهديدات على حياة جونز قد تعرض الركاب للخطر. وقد أورد الراكب صورة لحساب جونز ومعلومات سيارته التي تأكدت الواشنطن بوست من صحتها لكنها تمتنع عن نشرها خوفاً من استهدافه هو وآخرين.
يقول أحد الركاب، وقد رفض الإفصاح عن اسمه خوفًا من الإنتقام "قد يجد راكب بريء نفسه عالقاً وسط هذا الجنون".
وأضاف: "ليس هذا موقفاً جيداً وقد فقدت ثقتي في أوبر تماماً".
كان جونز قساً في مركز Dove World Outreach Center في مدينة غينسفيل قبل أن ينتقل إلى منطقة برادينتون.
واشتهرت هذه الكنيسة الأصولية بهذه التكتيكات التحريضية مثل إرسالها الأطفال لمدارس وهم يرتدون قمصاناً مكتوب عليها "الإسلام من الشيطان".
عندما أعلن جونز عن خططه في 2010 لإحياء ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية بإحراق الكتاب المقدس للإسلام، تلقى المئات من تهديدات القتل واشتعلت المظاهرات في أفغانستان وأندونيسيا بحسب تقارير الواشنطن بوست.
كما قام المسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية بمطالبته بالتوقف لأنه يعرض حياة الجنود للخطر.
وجاء في تقرير سابق لواشنطن بوست في إبريل/نيسان 2011:
انتهى به الأمر بعدم إحراق أي نسخ من القرآن في عام 2010 لكن في العام التالي عاد إلى نفس الأمر من جديد إذ عقد محاكمة هزلية اتهم فيها الإسلام بالشر وعين نفسه القاضي.
عُقدت المحاكمة في إرسالية دوف في المساحة المخصصة للعبادة التي خصصها جونز كمخزن لتجارة الأثاث التي كان يديرها على eBay. في هذه المرة تم إحراق القرآن ما أدى إلى انطلاق مظاهرات عارمة في أفغانستان أدت إلى مقتل 20 شخصاً، بينهم العديد من موظفي الأمم المتحدة.
في عام 2013 أوقف جونز بواسطة مفوض مقاطعة بولك بفلوريدا وهو يجر خلفه مقطورة مليئة بالمصاحف الغارقة في الكيروسين. اتهم جونز بالنقل غير القانوني للوقود كما أشارت التقارير ولكن أوبر تقول إن فحصها لم يقصي جونز لأن هذه التهم قد أسقطت عنه.
هل يقاطعون أوبر؟
في عطلة نهاية الأسبوع الماضية، غضب مستخدمو منصات التواصل الإجتماعي من أوبر بسبب قرارها خدمة الركاب أثناء إضراب سائقي التاكسي إعتراضاً على قرار حظر السفر الذي أصدره ترامب، وركزوا الهجوم على قرار ترافيس كالانيك المدير التنفيذي للشركة بالعمل رئيساً للمجلس الاستشاري الاقتصادي للرئيس ترامب.
تدفق مستخدمو تويتر على هاشتاج يطالب بحذف تطبيق أوبر لأن تصرفات كالانيك دعمت سياسات الرئيس ترامب. بدلاً من لقائه المقرر مع ترامب يوم الجمعة قرر كالانيك الاستقالة.
قال كالانيك في تعميم أرسله للعاملين لديه: "سنواصل مطالبتنا بتغيير عادل لقضية الهجرة بطرق عديدة لكن البقاء في المجلس الإستشاري كان سيقف في طريقنا"، وأضاف: "الهجرة والانفتاح تجاه اللاجئين عوامل مهمة لنجاح بلدنا وبصراحة شديدة لنجاح أوبر كذلك".
أبدى دايف سوتون المتحدث الرسمي لمبادرة "من يقودك؟" وهي مبادرة تدرج الجرائم المرتكبة من قبل سائقي شركات مثل أوبر على موقعها الإلكتروني، خشيته على حياة العملاء الذين يركبون مع جونز.
"مع وجود الجائزة الموضوعة على رأسه فأنت تعرض الركاب غير المدركين للاستهداف للخطر أيضاً".
وأضاف "شخص بوجهات النظر المتطرفة هذه لن يندمج بشكل جيد مع زملائه السائقين، إنما سينخرط في مجادلات تحريضية وهذا أمر سيء بل هو أمر مريع".
لم تستطع الجريدة الحصول على تعقيب من مكتب الـ FBI الذي حقق في تهديدات القتل الموجهة إلى جونز، ولا على تعقيب مكتب شرطة مقاطعة ماناتيي بولاية فلوريدا الأميركية على هذه القضية.
قال جونز إن عدداً من الركاب تعرفوا عليه منذ بدئه العمل. يضيف قائلًا إن آرائه ورؤاه لم تتغير لكنه لا يطرحها إلا إذا سأله الراكب عنها.
في إحدى المرات القريبة سأله أحد الزبائن ما إذا كان يعتقد بوجود مسلمين جيدين فأجاب "نعم أعتقد أن هناك مسلمين جيدين ومسلمين سيئين ولكنني لا أؤمن أن هناك إسلام جيد"، حسب تعبيره.
يقول جونز إنه تقدم بطلب للقيادة لصالح شركة ليفت Lyft منذ حوالي أسبوع ولكنه لم يحصل على الموافقة حتى الآن. أحد الإختلافات الجوهرية بين عملاقي نقل الركاب، أن ليفت تطالب سائقيها في معظم المدن بمقابلة أحد المشرفين والخضوع لرحلة تدريبية وتقوم بفحص السيارات وتطالب السائقين بالإجابة عن أي أسئلة.
لم يقم جونز بمقابلة المشرف بعد وهي خطوة تسبق فحص الخلفية لذا ليس من المعلوم إذا كان سيُقبل أم لا.
يقول جونز: "قبل أن نخوض في الأمر أكثر أريد إخباره بمن أكون".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.