قال الفيلسوف آرثر شوبنهاور ذات مرة: "دماثة الأخلاق للطبيعة البشرية كما الدفء للشمع"، إنها حقيقة أن تكون عطوفاً ومراعياً لمشاعر الآخرين يُلطف علاقاتك بالناس ويجعلهم طيعين لطريقة تفكيرك، ولكني أرى معنى آخر أيضاً لذلك، أعتقد أنه يقول أيضاً إنَّ مراعاة مشاعر الآخرين هي سمة لا تتجزأ ممَّا يعنيه أن تكون إنساناً، وقد يتفق معه تشارلز داروين، الذي زعم أن غريزتنا لمراعاة مشاعر الآخرين هي أقوى من غريزتنا لخدمة مصالحنا الشخصية.
ورغم أن الأمر قد يبدو واضحاً لنا، فلم يتمكَّن علم الأعصاب من شرح السبب إلَّا مؤخراً، فقد أظهر بحث أجراه داتشر كليتنر في بيركلي أن أدمغتنا تتفاعل بنفس الطريقة عندما نرى أشخاصاً آخرين يتألمون كما كأننا أنفسنا نعاني الألم. مشاهدة تجرية ألم شخص آخر تحفز أيضاً جزءاً عميقاً داخل المخ، هو المسؤول عن تكوين السلوك ويدعى "السِّنْجابِيَّة".
كونك تراعي مشاعر الآخرين هو بالتأكيد خطوة مهنية جيدة، لكنه أيضاً مفيد لصحتك، عند إظهار الاهتمام بالآخرين يُثار مركز المكافأة في المخ الذي ينشط المواد الكيميائية المسؤولة عن الشعور الجيد مثل الدوبامين، والأوكسيتوسين، والمواد الأفيونية الذاتية، هذا يمنحك شعوراً رائعاً، الذي يشبه ما يعرف باسم "نشوة العدَّائين" وكذلك الأوكسيتوسين مفيد لقلبك.
سوف تأخذك مراعاة مشاعر الآخرين في الحياة إلى ما هو أفضل من أي كلية أو شهادة" – ماريان رايت إيدلمان
كل هذا جيد ورائع، ولكن كيف يمكن تطبيقه عملياً؟ كيف يمكنك أن تصبح أكثر مراعاة لمشاعر الآخرين عندما يكون لديك الكثير من الأشياء الأخرى التي تتنافس على طاقتك العقلية المحدودة؟ إنه ليس بالأمر الصعب، كل ما عليك هو القيام بمحاكاة عادات الناس الذين يراعون مشاعر الآخرين بشكل كبير.
1- تظهر في الوقت المناسب:
بالتأكيد تحدث أمور سيئة دائماً، لكن الظهور متأخراً دائماً يرسل رسالة واضحة جداً، وهي أنك تعتقد أن وقتك أكثر أهمية من أي شخص آخر، وهذا بالذات تصرف غير مهذب، وحتى إذا كنت حقاً تعتقد أن وقتك أكثر أهمية، فلا ينبغي أن تذيع هذا الاعتقاد على العالم، بدلاً من ذلك، كُن مراعياً لمشاعر الآخرين واظهر في الوقت الذي وعدت فيه بأنَّك ستكون حاضراً.
2- كن متعاطفاً عمداً:
إن الشعور بالتعاطف مع الآخرين هو أمرٌ يختلف تماماً عن وضعه في حيز التنفيذ، إنه لشيء رائع أن تكون قادراً على وضع نفسك في مكان شخص آخر، في الواقع إنه أمر ضروري، ولكن هذا لا يترجم بالضرورة إلى أن تكون شخصاً يراعي مشاعر الآخرين، أن تتعاطف عمداً، عليك أن تسمح لنفسك بأن يكون لإدراكك لما يمر به الآخرون قوة في تغيير أفعالك، سواء أكان ذلك في تغيير سلوكك لاستيعاب مشاعرهم أو تقديم مساعدة ملموسة في موقف صعب، وهذا يتطلب الذكاء العاطفي.
3- اعتذر إن اقتضى الأمر (والعكس):
كلنا نعرف أشخاصاً خائفين جداً من إهانة أحد لدرجة الاعتذار حتَّى عن الهواء الذي يتنفسونه. وفي مثل تلك المواقف، يفقد الاعتذار معناه الحقيقي، لكن الأمر يختلف كلياً إذا كان تقديم اعتذار صادق ضرورياً. عندما ترتكب خطأً، أو تعتقد حتى أنك ارتكبت خطأً، يُصبح الاعتذار جزءاً حاسماً من كونك مراعياً لمشاعر غيرك.
4- ابتسم بكثرة:
جسدياً، يتطلب العبوس مجهوداً أقل من الابتسام، فالابتسام يحتاج إلى استخدام 42 عضلة مختلفة، لكن هذا المجهود الإضافي يستحق أن تبذله؛ لأن الابتسام يملك تأثيراً هائلاً على الآخرين، يعكس الأشخاص بطريقة طبيعية (وغير واعية) لغة جسد من يتحدثون معه. وعندما تبتسم في وجه الآخرين، سيردون لك المعروف بدون وعي ويتحسّن شعورهم.
5- كن مهذباً:
يعتقد البعض أن التهذيب لم يعُد ضرورياً، بل إنّه غير مرغوب به لأنه زائف، يعتقد هؤلاء أنك عندما تكون مهذباً فإنك تتصرف بطريقة لا تعكس شعورك الداخلي، لكنهم مخطئون كلياً.
أن تكون مهذباً" يعني أن تركّز على شعور الآخر، بدلاً من شعورك أنت، ويعني هذا أن تتصرف بشكلٍ واعٍ يجعل الآخرين أكثر راحةً واطمئناناً.
6- تمتّع بالذكاء العاطفي:
كانت إحدى المغالطات التي تبنتها ثقافتنا هي الاعتقاد أن شعورك بشيء ما لا يختلف عن تصرّفك بناءً على هذا الشعور، وهذا خطأ فادح؛ لأنها تتغاضى عن عنصر التحكم بالذات، وسواءً تعلّق الأمر بمساعدة زميل عمل بينما تعاني أنت أيضاً للحاق بموعد التسليم الخاص بك، أو التصرف بود مع شخص لا يبادلك إياه. أن تكون مراعياً للمشاعر يتطلب عادةً ألّا تتصرف وفقاً لمشاعرك.
7- حاول أن تجد طريقة ليكسب الجميع:
يتعامل الكثيرون مع الحياة كما لو كانت لعبة مكسب أو خسارة، وفي المقابل، يحاول الأشخاص المراعون لمشاعر غيرهم أن يجدوا طريقة تضمن المكسب للجميع، ليس هذا ممكناً طوال الوقت، لكنه يظل هدفهم، إذا أردت أن تكون أكثر مراعاةً، توقف عن التفكير في تعاملاتك مع الآخرين بصفتها سيناريوهات تخرج منها رابحاً أو خاسراً.
8- تصرّف بناءً على حدسك فيما يتعلق باحتياجات الآخرين:
أحياناً يمكنك ببساطة معرفة ما إن كان غيرك مستاءً أو يمر بيوم عصيب، وفي هذه الحالات، حتى تكون مراعياً يجب عليك التأكد من صحة حدسك، إذا أخبرك حدسك أن تمدّ لهم يد المساعدة، افعل ذلك، وسيقدّرون اهتمامك بهم.
وتلخيصاً للخطوات كلها:
تفيد مراعاة الآخرين صحّتك النفسية والجسدية، وحياتك المهنية، وجميع من حولك، وعلى رأس هذا، فهي تمنحك شعوراً جيداً.
ما هي الطرق الأخرى التي تستخدمها لإظهار مراعاتك للآخرين؟ شارك أفكارك في التعليقات أدناه، فأنا أتعلّم منكم أشياء بقدر ما تتعلّمون منِّي.
– هذا الموضوع مترجم عن النسخة الأميركية لهافينغتون بوست. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.