أصبح التحالف بين القصر الحاكم في المغرب وحزب العدالة والتنمية الإسلامي متقلباً على نحو متزايد خلال الأشهر الأخيرة، أمام عجز الحزب عن تشكيل حكومةٍ ائتلافية.
بعد فوز الحزب بالانتخابات التشريعية في أكتوبر الماضي بحكومة أقلية، حاصداً 125 مقعداً من أصل 396 مقعداً برلمانياً، أعاد الملك محمد السادس، تولية عبد الإله بنكيران، قائد حزب العدالة والتنمية رئيساً للحكومة، وكلفه بإيجاد طريقة للعمل مع الأحزاب السياسية الأخرى.
منذ ذلك الحين، عمل بنكيران، وهو سياسي شعبوي ترأس الحكومة المغربية لأكثر من خمس سنوات على إنهاء الأزمة السياسية ومنع ظهور دعوةٍ لإجراء انتخاباتٍ جديدة، بينما يناور في الوقت ذاته لتجنب تقديم الكثير من التنازلات.
ويشير الحزب رسمياً إلى إرادةٍ قوية لاتباع توجيه المجلس الوزاري التابع للملك، إذ أصدر بياناتٍ للتأكيد على ولاء الحزب الكامل للملك، ما يشمل "عزمه التعامل إيجابياً وبشكلٍ مسؤول مع التوجيهات الملكية المتعلقة بتسريع عملية تشكيل الحكومة".
هذا بينما توقفت المفاوضات بين بنكيران والأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، والأمين العام للحركة الشعبية، مهند العنصر مبكراً من هذا الشهر.
ويقول محللون، إن هذا يبدو نتيجةً للمناورات السياسية التي يمارسها الملك لإجبار حزب العدالة والتنمية على التخلي عن مناصب وزارية رئيسية.
ووفقاً لفؤاد عبد المومني، الخبير الاقتصادي والناشط الذي تعرض للسجن تحت حكم الحسن الثاني، والد الملك: "يبدو الأمر أشبه بحربِ استنزافٍ ضد بنكيران، لإجباره على تقديم جميع التنازلات الممكنة". وأردف: "يستتبع ذلك تركه يتولى رئاسة الحكومة بقليلٍ من السلطة، ضمن حكومة ائتلافية، مع فقدانه للسيطرة على الحقائب الوزارية الاستراتيجية".
التسوية الحتمية
يقول مراقبون إنه لا بد في النهاية من تدخل الملك للتسوية وإنهاء هذه المصارعة السياسية، ضمن جهودٍ لمنع التوترات المستقبلية وزعزعة الاستقرار السياسي.
ويشير عبد المومني إلى أنه ربما تؤدي مناورات القصر هذه إلى نتائج عكسية، إذ قد تتسبب في تعزيز شعبية حزب العدالة والتنمية وسط قاعدته الانتخابية. ويضيف: "إن أجريت انتخابات جديدة، سوف يحظى الحزب بميزة كونه ضحية".
كان صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة أمراً معقداً. فقد كان محظوراً تقريباً بعد سلسلةٍ من الهجمات القاتلة في الدار البيضاء عام 2003، لكنه ظهر مجدداً في صورة قوةٍ سياسية فعَّالة عام 2011، بعد أن وصلت الانتفاضات التي اجتاحت العالم العربي إلى المغرب.
نزل الآلاف إلى الشوارع، مطالبين بالمزيد من الديمقراطية في البلاد.
لم ينضم الحزب آنذاك إلى الاحتجاجات، على عكس الحزب الإسلامي المغربي الآخر، جماعة العدل والإحسان، المحظور رغم التساهل معه. وبدلاً من ذلك، شارك الأول في الانتخابات وفاز ببرنامجٍ مناهضٍ للفساد.
وفي نفس العام، شملت تغييرات دستورية الإلزام باختيار رئيس الوزراء من الحزب الفائز بالانتخابات.
وبينما لقي حزب العدالة والتنمية إشادةً لضغطه من أجل تمرير إصلاحاتٍ ضرورية للدعم الاقتصادي، واجه أيضاً انتقاداتٍ لفشله في محاسبة الملك.
ويعتقد خبراء أن مؤسسة الدولة المغربية تنظر إلى شعبية الحزب المستمرة –خصوصاً في ضوء فشله في تحقيق وعده بمحاربة الفساد– على أنه تهديد، إذ يحمل ذلك خطر فقدان السيطرة في حال أصبح أحد الأحزاب قوياً جداً.
وعلّق المحلل البارز بشركة "أوراسيا جروب"، ريكاردو فابياني، قائلاً: "المفاوضات متوقفة بسبب صراعٍ جوهري بين الكتلة ذات القيادة الإسلامية وائتلافٍ من الأحزاب الوسطية المدعومة سراً من الملك".
وأضاف: "تريد الكتلة الأولى تغييراً تدريجياً ضمن إطار العمل القائم. وتنطوي فكرتهم على أنه يمكن تعزيز الديمقراطية والتنمية الاقتصادية عبر العمل ضمن المجموعة القائمة من المؤسسات والقيود".
وتابَعَ قائلاً: "ويخشى الملك وحلفاؤه الوسطيون من أن ترك الإسلاميين يحكمون المغرب، دون أي قيود، يمكن أن يؤدي إلى سيناريو تركيا، أي أن يحصدوا في النهاية الأغلبية ويهددوا المؤسسات القائمة".
مصلحة مشتركة
وفقاً لفيش ساكتيفال، الحاصلة على زمالة "فوكس" ببرنامج الشرق الأوسط التابع لمعهد أبحاث السياسة الخارجية والمتخصصة بشؤون الإسلام السياسي في المغرب، فإن القصر وحزب العدالة والتنمية يعملان كأنهما "قوتان تتبادلان الشرعية".
وتابعت: "مارس بنكيران أمراً غير تقليديٍّ بالكشف عن التوترات مع القصر، ربما ضمن محاولاتٍ سرية لتسليط الضوء على تدخلات القصر أمام الجمهور".
وحسبما أوضحت فيش، فإن "آخر ما يريده القصر هو هذا الوضع القائم لتقاسم السلطة، لكنه أيضاً لا يريد لجهوده لعرقلة الإسلاميين أو تقويض شرعيتهم أن تكون علنيةً أو خرقاء".
وأردفت: "بينما يؤدي وجود تحالفٍ" له شعبية حقيقية إلى الحفاظ على الاستقرار السياسي للبلاد، يفضِّل القصر كثيراً أن يعقد مثل هذا الاتفاق مع حزبٍ يخضع لسيطرته".
ويظل المدى الزمني لاستمرار هذا المأزق السياسي غير واضح، بما أن دستور البلاد لا يحدد جدولاً زمنياً معيناً ليشكل رئيس الوزراء حكومته.
أما بالنسبة لتسيير البلاد في ظل غياب الحكومة، فقال مراقبون إن العمل يستمر كالمعتاد. وعلَّق عبد المومني في إشارةٍ إلى مستشاري الملك قائلًا: "تبقى الحكومة الحقيقية القريبة من القصر، إذ يستمر هذا الهيكل بغض النظر عن وجود الحكومة الرسمية أو غيابها".
– هذا الموضوع مترجم عن موقع middle east eye البريطاني، للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.