اعتاد نور الدين الوالي الهجمات المتكررة من اليمين المتطرف على المسلمين الهولنديين، وعلى الرسائل السياسية التي تستهدفهم، إلا أنه عندما كتب رئيس وزراء البلاد خطاباً مفتوحاً الأسبوع الماضي، طالباً من الأقليات الاندماج أو "المغادرة"، صُدم مرة أخرى.
جاء خطاب مارك روت قبل أقل من شهرين من الانتخابات الوطنية، وبعد شهور من مشاهدة صعود الشعبوي جيرت فيلدرز إلى قمة استطلاعات الرأي. إذا ما أجريت الانتخابات غداً، فهناك احتمال كبير بأن يفوز حزبه اليميني المتطرف بأغلبية مقاعد البرلمان، بحسب ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.
لم يشِر الخطاب مباشرةً إلى المسلمين، بدلاً من ذلك بدأ بالهجوم على الأشخاص الذين يلقون القمامة ويبصقون في الحافلات، لكن الرسالة التي وجهها عبر تحذيره من "خلل" في المجتمع الهولندي، كانت واضحة.
أثارت محاولة روت المكشوفة للتودد لناخبي اليمين المتطرف من أجل التصويت له في الانتخابات المزمع إجراؤها في 15 مارس/آذار انتقادات لاذعة في أوساط المجتمع، بينما ساد القلق بين الهولنديين المسلمين، الذين عانوا بالفعل من ارتفاع حاد في جرائم الكراهية، كما يقولون إنهم يواجهون التمييز في الحياة اليومية بشكل دوري.
يقول والي، الذي يعيش في روتردام، ومؤسس وعضو بلدية عن حزب النداء التقدمي: "أكثر ما يقلقني هو أن رئيس الوزراء هو من كتب هذه الرسالة"، وأضاف: "تتوقع دوراً مختلفاً ممن يشغل هذا المنصب، أن يرتقي فوق الجميع، ويعمل على جمع الناس، لا أن يكتب هذه النوعية من الخطابات التي تتحدث بالتواء عن الهوية الهولندية، مشيراً إلى أن هناك مجموعة من (المواطنين الهولنديين) يمثلون تهديداً لأسلوب الحياة الهولندية".
شعبوية معادية للأجانب
كان فشل الأحزاب الرئيسية في مجابهة الشعبوية المعادية للأجانب أحد الأسباب التي دفعت والي إلى الانخراط في السياسة المحلية بنفسه منذ ثلاث سنوات، يقول والي: "لم يكن لديهم رد مقنع على خطاب اليمين المتطرف، بل وكان معظمهم يناصرونه"، جدير بالذكر أن حزب والي هو حزب تقدمي مُستلهم من الإسلام ويجسد قيمه.
يضيف والي: "نقول دائماً إننا نمتلك الحمض النووي لروتردام، وروح الإسلام، فنحن متنوعون جداً عندما يتعلق الأمر بالعرق والتوجه الديني، فالتوجه الديني غايته إرساء القيم كالعدل والمساواة، مثل الحزب المسيحي الديمقراطي تماماً".
حاز حزب النداء على 8 مقاعد في المؤسسات الحكومية المحلية منذ إنشائه عام 2014، إذ اجتذب الأشخاص الذين يشعرون بالنفور من السياسات المعتادة.
استمر التحول إلى اليمين في السياسات الهولندية لأكثر من عقد من الزمان، منذ ظهور المتطرف بيم فورتاين على الساحة في مطلع العقد الماضي، مع شكل جديد من أشكال الشعبوية التي تبنتها جماعات يمينية متطرفة أخرى في شتى أنحاء أوروبا.
تخلى فورتاين نفسه عن النزعة المحافظة لجماعات اليمين المتطرف السابقة، كونه مثلياً، وبدلاً من ذلك، عمل على جذب الناخبين بتقديم نفسه على أنه بطل هولندا الليبرالي، صاحب القيم التقدمية في شتى المجالات عدا الدين، إذا وصم الإسلام بأنه تهديد صريح للأمن الهولندي، ولأسلوب الحياة الهولندية.
قُتل فورتاين عام 2002، إلا أن فيلدرز سلك نهجه منذ ذلك الحين، محاولاً زحزحة مفاهيم التيار العام إلى اليمين رويداً رويداً، من خلال خطاب شديد التطرف، حتى أنه أدين أواخر العام الماضي بالتحريض على التمييز.
إلا أن حكم المحكمة عليه أدى إلى ارتفاع شعبيته في استطلاعات الرأي، بينما أكد ظهور رسالة روت، الانتصار السياسي الذي حققه فيلدرز، وذلك بعد عام شهد ما يعضد موقف اليمين المتطرف كخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الأميركية، ذلك الفوز، بالإضافة إلى الأيام الأُول المثيرة للجدل لترامب في السلطة، ساعدت فيلدرز أيضاً على الاحتفاظ بالموضوعات التي يدعي أهميتها على رأس أولويات البرامج الإخبارية.
تأثير فوز ترامب
يقول كاس مود، أستاذ العلوم السياسية الهولندي المتخصص في الشعبوية والتطرف: "أدى فوز ترامب إلى تضمين قضاياه في جداول أعمالنا، وهو ما خلق انطباعاً بأن اللاجئين والإرهابيين هم اهتمامنا الرئيسي، بدلاً من رخاء البلاد والتقدم الاقتصادي".
سمح نظام التمثيل النسبي لفيلدرز بالانتشار في البداية، إلا أن ذات النظام يجعل من غير المرجح أن يصبح رئيساً للوزراء، إذ إنه بحاجة لقيادة تحالف ما، بينما حزب روت، وهو الأقرب له أيديولوجياً، سبق وأن نفى التوصل لاتفاق بشكل قاطع، ويقول فيلرز إن نفس الشعور يراوده، بعد أن باءت محاولتهم السابقة معاً لتشكيل الحكومة، في عام 2012، بالفشل.
وفقاً لوالي فإنه "منذ ما يقرب من عام، مع بداية أزمة اللاجئين، اتخذ روت موقفاً متشدداً من خلال تلميحاته، إلا أنه لم يصرح بوضوح أن هناك هولنديين حقيقيين، والذي يبدو أنهم بيض وغير مسلمين، وهناك هولنديون مؤقتون أو مشروطون، وهم غير البيض والمسلمين".
وأضاف والي: "على النوع الأخير أن يتأقلم مع النوع الأول، حتى وإن وُلدوا وترعرعوا في هولندا، فالنوع الأخير هو أصل المشكلة، وليس النوع الأول، في حين أننا من واجهنا الكثير من التهديد الجسدي، والعنف اللفظي من المواطنين تجاه اللاجئين وكل من يدافع عن حقهم في التواجد في هولندا".
ويتابع: "أعتقد أننا تمكننا من أن نكون مقبولين، لأننا وُلدنا ونشأنا في روتردام، بينما هناك من السياسيين الذين لم يولدوا أو يترعرعوا في المدينة، ويخبروننا ما الذي يجب فعله".
يقول والي إن هولندا غالباً ما تتناسى القصص الرائعة للاجئين، مشيراً إلى التحول الجذري في عائلته، "لقد أتى والدي إلى هنا في أوائل الستينات من القرن الماضي، ولم يكن يجيد القراءة ولا الكتابة، إذا ما رأيتم ما حدث خلال جيل واحد، يمكنكم حقاً التحدث عن أمر ثوري".
كما يرفض والي القبول بأن يحدد فيلدرز مسار المستقبل، إذ يؤكد "أنا قلق، لكنني دائماً أقول إن التشاؤم سمة أولئك القادرين على تحمل كلفته، أما التفاؤل فسمة الذين لا يملكون خيارات أخرى، وأنا أرى نفسي ضمن الفئة الثانية".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.