إن كثيراً من مجتمعاتنا العربية هي من المجتمعات التي يعتمد أفرادها على الأحاسيس والمشاعر في عملية اتخاذ القرار، لا بل في بعض الجماعات يتم الاستناد على الخُرافة والقصص العامة؛ حيث تبدو الحقائق والمعلومات من الأمور الثانوية، وأن أي تفكير تحليلي نقدي أو قراءة لما بين الشعارات قد يعتبر من الأشياء المملة وفلسفة لا لزوم لها.
مظهر القائد ونبرة صوته الكارزماتي هو أهم من أي فكرة يمكن أن تطرح، وإذا أضفنا عليه الطابع الديني فيصبح في ثوانٍ معدودة أحد الأبطال الخارقين، ومن مخلّصي العِرق البشري.
يبدو لي أننا قد نجحنا في تصدير هذه الظاهرة إلى دول العالم الأول، إذا صحَّ التعبير؛ حيث إننا نشهد صعوداً لقادة اليمين المتطرف في عدة دول غربية، وكأن نايجل فريج، رئيس حزب UKIP في بريطانيا، والرئيس المنتخب للولايات المتحدة ترامب هما لورانس العرب أو المبعوثان الساميان المرسلان من قلب شبه الجزيرة العربية لنشر ثقافتنا وأسلوبنا الخاص في صناعة القرار من خلال تقسيم المجتمعات ونشر الكراهية المنظمة.
أما بالنسبة "للشيوعيين والعلمانيين العرب" على اختلاف أطيافهم، وأخص بالذكر اللبنانيين اليساريين منهم، فيبدو لي أن" الشيوعيين" في بلادنا لم يتخطَّ فهمهم للعلمانية سوى السب وشتم الأديان أو الذات الإلهية، وأن المرحلة الأخيرة من ثورة البروليتاريا في الشرق الأوسط هي عرض صورهم (المناضلين) على الفيسبوك، وهم يحتسون النبيذ الأحمر مع نكهة "اشتراكية" منكهة بشتم الله.
إنني لأجد هذه الظاهرة غريبة بعض الشيء، كيف لشخص ملحد أن يشتم شيئاً لا يعتبره موجوداً في عالمنا؟ كأن أقف في منتصف إحدى الساحات العامة لأشتم وأسب حورية البحر أو جنية الأسنان على سبيل المثال.. ولكن إذا شرَّحنا هذا النوع من التصريحات، نجد أن الهدف الحقيقي لشتائم "اليساري" العربي تتخطى حرية التعبير بل هي الإساءة بالدرجة الأولى لمعتقدات مجموعة أو شريحة معينة من المجتمع.
ويبدو لي أيضاً أن هذه المسرحية الفارغة هي مجرد محاولة أخرى لمجموعة من الأفراد من حل أزمة هويّة بدأت تعصف في مجتمعاتنا منذ بداية تاريخنا الحديث. ولكن ولمرة أخرى، يبدو لي أننا أسقطنا أسماء من تجارب لمجتمعات أخرى من دون البحث في التطبيقات العلمية لهذه المدارس، بحيث كان المنتج النهائي لحركتنا العلمانية، شيوعية كانت أم اشتراكية أو حتى رأسمالية، كانت مجموعات فطرية ترتبط وتنمو على فضلات الأحزاب والتيارات الأكثر تديناً وتتطرفاً على الإطلاق وذات أجندات دينية صرفة.
على الرغم من النجاح الكبير للتجربة العلمانية والاشتراكية الديمقراطية في مجتمعات أخرى، وعلى وجه الخصوص الدول الإسكندنافية بحيث إنني على الصعيد الشخصي من أشد المعجبين بهذه الأنظمة، فإنني أجد نفسي أمام نتيجة واضحة تماماً، أن "الشيوعي العربي" لا يختلف في شيء بشموليته وإقصائه للآخر وتطرفه وقلة احترامه لمعتقدات الطرف الآخر، هو لا يختلف بشيء عن ذلك المعمم الذي يدَّعي أنه من أحفاد الرسول، أو ذلك الخليفة الذي يحكم كثيباً من الرمال.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.