مخاوف من حرب تجارية يشهدها العالم بسبب ترامب.. سيناريوهات مرعبة لو طبَّق الرئيس الأميركي وعوده الاقتصادية

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/22 الساعة 10:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/22 الساعة 10:20 بتوقيت غرينتش

كان خطابه كأي خطاب عاديٍ متوقعٍ من رئيسٍ أميركي. "يجب على الدول مقاومة إغراء الانسحاب للاختباء في ملاذاتِها والتحلي بالشجاعة للخوض في محيط السوق العالمي الواسع"، هكذا قال قائد العالم لحشدٍ من معجبيه.

كان هذا أشبه بأنشودةٍ للاحتفاء بنظام التجارة الحرة، وكلمات ربما كانت تخرج من أفواه جون كينيدي، وجورج دبليو بوش، وبيل كلينتون، قاطني البيت الأبيض الذين رأوا أنه على الولايات المتحدة الأميركية الدفاع عن نظام التجارة العالمي المفتوح، والذي تم تأسيسه بنهاية الحرب العالمية الثانية.

لكن هذه الوعود خرجت هذه المرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي أوضح خلال قمة دافوس، الأسبوع الماضي، أنه على استعدادٍ لملء الفراغ الموجود بالنظام التجاري العالمي في حالة مضي دونالد ترامب قدماً في تنفيذ السياسات الحمائية، التي اقترحها خلال حملته الانتخابية.

وعود ترامب

وكان الرئيس الأميركي الجديد قد قال إنه سيعيد التفاوض بشأن اتفاق التجارة الحرة "نافتا" بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وإنّه سيفرض رسوماً جمركيةً على واردات الدول غير الملتزمة بقوانين التجارة العالمية.

كما نشر مقترح فرض تعريفة جمركية نسبتها 35% على السلع القادمة من المكسيك ونسبتها 45% على الواردات الصينية، فضلاً عن اقتراح ضريبة للحدود، التي ستكون مفروضة على الواردات وليس الصادرات.

طمأن الحاضرون في قمة دافوس أنفسهم بأن ترامب سيتخلى عن كل هذه المقترحات بمجرد وصوله إلى منصبه. لكن إن لم يفعل، فإن العواقب جليّة: سينزلق العالم في حربٍ تجاريةٍ، ستؤدي إلى توقف مُزلزل لسياسات العولمة الممتدة على مدار ربع قرن مضى.

هذه احتمالية، يفكر بها البعض ملياً. كان عنوان إحدى مناقشات الإفطار في دافوس، التي نظمتها شركة كليفورد تشانس للمحاماة "نهاية العولمة: هل بلغ العالم نقطة تحول؟".

ولا يتوقف الأمر على ترامب وحسب، فقد دوت أجراس الإنذار عندما صوّتت بريطانيا لصالح خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، التي اعتبرها البعض صرخة غضب لهؤلاء الذين يشعرون بأن العولمة لم تعد عليهم بالنفع الكثير.

النظام التجاري العالمي

وستدوي صرخاتهم أكثر إذا فازت مارين لوبان برئاسة فرنسا في مايو/ أيار القادم. وقد قال مسؤول دبلوماسي رفيع المستوى إنه في حالة تأمين مارين فوزاً صادماً آخر، فإن هذا ينذر بنهاية الاتحاد الأوروبي.

كانت الحكمة المُستخلصة من دافوس هي أن النظام التجاري العالمي لا يشهد نقطة تحول، إذ تم التأكيد على أن العولمة يقودها التغيير التكنولوجي، الذي يمتلك السياسيون سيطرة محدودة عليه. إن سلاسل التوريد تعبُر حدود الدول كثيراً، والمستهلكون يهتمون ما إذا كانت السلع التي طلبوها عبر الإنترنت ستصل إليهم في اليوم التالي أكثر من اهتمامهم بمصدر هذه السلع.

واستشهد رئيس بنك "إتش إس بي سي"، دوغلاس فلينت، بنموذج تطبيق "أوبر"، ليدلل على قوة التغيُّر التكنولوجي.

ربما يكون المتفائلون بمصير العولمة على صواب. فإن محاولة فك خيوط شبكة العلاقات العالمية المُعقدة ، التي أُنشئت منذ سقوط حائط برلين في نهايةِ ثمانينات القرن الماضي 1980، ستكون عملية طويلة ومؤلمة.

سخر باسكال لامي، الذي شغل سابقاً منصب المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي ومنصب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، من فكرة بلوغ العالم نقطة تحوّل، وقال إن التباطؤ الأخير في حركة التجارة العالمية أمر متوقع بعد سنوات من النمو السريع.

وقال المدير العام الحالي لمنظمة التجارة العالمية روبرتو أزيفيدو: "إن الفرق بين الأزمة المالية لعام 2008 ونظيرتها في ثلاثينات القرن الماضي، أننا نمتلك اليوم قوانين واتفاقياتٍ متعددة الأطراف، وهو أمر لم يكن موجوداً في الثلاثينات".

وأشار البرازيلي أزيفيدو إلى أن سياسات "العين بالعين" الحمائية، التي لجأت العديد من الدول إلى تنفيذها خلال فترة الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي تسببت في انكماش حجم التجارة العالمية بحوالي الثلثين في غضون ثلاث سنوات.

وتابع بقوله: "سيكون لتطبيق سياسات مماثلة آثار كارثية يصعب تصورها".

مخاوف من سياسات ترامب

وقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، إن مضي ترامب قدماً في تنفيذ أجندته التجارية سيمحي أي فوائد للنمو الاقتصادي، الذي قد ينتج عن خطته لخفضِ الضرائب وزيادة الإنفاق على البنية التحتية. وتأمل المنظمات الدولية الكبرى -صندوق النقد والبنك الدوليان ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- أن يعي ترامب سريعاً الآثار الجانبية لفرضه رسومٍ بنسبة 45% على السلع الصينية، التي تتمثل في ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك وتبني بكين سياسات انتقامية للرد على ترامب، وغيرها.

وعلى الرغم من هذا، فإن مؤيدي التجارة الحرة هم أسوأ أعدائها. لقد عرفوا منذ البداية أن هناك دوماً خاسرين ورابحين في نظام العولمة، لكنهم لم يفعلوا سوى القليل أو لم يفعلوا أي شيء لضمان مشاركة فوائد التحرر التجاري بنحوٍ عادلٍ بين الجميع. وخلال السنوات الأخيرة ارتفعت أعداد الخاسرين وباتوا أكثر صخباً.

وفوق كل هذا، ليس صحيحاً ما يقال بأن الدول التزمت بقوانين التجارة الحرة منذ انهيار بنك ليمان براذرز في عام 2008 ودخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود هو الأسوأ منذ ثلاثينات القرن الماضي.

فقد لجأت العديد من الدول إلى تبني إجراءات حماية. وبدا استكمال مباحثات تحرير التجارة العالمية، التي انطلقت في الدوحة عام 2001أمراً مستحيلاً.

سيُلغى اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي اتفاقاً إقليمياً بين الولايات المتحدة وعددٍ من الدول الآسيوية (ليس بينها الصين)، تحت حكم ترامب. كما سيتوقف الاتفاق الثنائي بين بروكسل وواشنطن- اتفاق الشراكة في الاستثمار والتجارة عبر المحيط الأطلسي.

وتماماً مثلما كان عليه الحال في ثلاثينات القرن الماضي، يسود العالم حالياً نموذج الرجل القوي المدعوم من الجماهير.

وعلَّق نائب المدير العام للأمم المتحدة، مارك مالوك براون على هذا الأمر قائلاً: "هناك قادة أقوياء للغاية في عددٍ من الدول ولا يحترمون دوماً قواعد اللعبة".

العولمة

وأشار مالوك براون إلى الرئيس الصيني شي بينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فضلاً عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والآن ترامب في الولايات المتحدة، على أنهم قادة يشكلون عُصبة مهيبة داخل مجموعة العشرين، وهي مجموعة من الدول المتقدمة والنامية التي أُنشئت خلال الأزمة المالية من أجل توفير حوكمة أفضل للعالم.

لا يعد هذا عصر العولمة الأول. فبنهايةِ القرن التاسع عشر كانت السيادة لنظام يطلق عليه اسم "العولمة 1.0″، وكانت أبرز ملامح هذا النظام القائم والقوي حرية التجارة وحركة الهجرة الضخمة وحرية حركة رؤوس الأموال.

كتب الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز، واصفاً نظام العولمة في هذه الحقبة: "يستطيع القاطن في لندن طلب السلع المتنوعة الموجودة في شتى أنحاء العالم وبالكميات التي يراها مناسبة باستخدام تليفونه بينما يحْتسي شاي الصباح بفراشهِ وينتظر وصولها مبكراً إلى باب بيته. في الوقت ذاته، يستطيع هذا الشخص استثمار ثروته في استخراج الموارد الطبيعية وإنشاء شركات جديدة في أي من بقاع الأرض ومشاركة ثمار ومزايا نشاطه دون عناء أو مشكلات".

إذاً ما الفرق بين القاطن في لندن، الذي يحْتسي الشاي في رواية كينز وبين ساكن لندن الحالي، الذي يشرب اللاتيه بينما يستخدم هاتفه الذكي لشراء شيء ما من موقع أمازون؟ بالطبع، باتت التكنولوجيا الآن أسرع وأصبحت الشبكات العالمية أكثر تكاملاً. لكن بريطانيا في عهد الملك إدوارد كانت تحدوها الثقة بأن نظام العولمة مستمر دون انقطاع تماماً مثلما يثق قادة اليوم.

لكن العصر الأول للعولمة انتهى بالفعل. يمكننا وضع تاريخ محدد ليوم زواله: 28 يونيو/ حزيران 1914، وهو يوم اغتيال وريث عرش النمسا فرانز فرديناند، الذي أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى بعدها بستة أسابيع. إن السؤال، الذي لم يطرح في قمة دافوس، هو ما إذا كان 20 يناير/ كانون الثاني 2017 يوماً سيسجل في التاريخ لكل تبعاته الخاطئة.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد