توصَف أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار (بورما سابقاً) بأنها أكبر أقلية بلا أصدقاء على مستوى العالم. ولكن كان لديهم على مدى السنوات الأربع الماضية صديق واحد قوي يقيم في البيت الأبيض.
تحدَّث الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي ألقى خطاب وداع باكٍ يوم الثلاثاء 10 يناير/كانون الثاني في شيكاغو، في كثير من الأحيان مدافعاً عن الأقلية المسلمة المضطهدة. وجاء دعمه الصريح بعد زيارة هيلاري كلينتون التاريخية لدولة ميانمار الواقعة جنوب شرق آسيا عام 2011، إذ كانت أول زيارة يقوم بها وزير خارجية أميركي للبلاد منذ 50 عاماً، وتَعُد كذلك رحلته الخاصة إلى ميانمار بعدها بعام، هي الأولى لرئيس أميركي في الحكم.
ولا تعترف الحكومة في ميانمار ذات الأغلبية البوذية بمصطلح "الروهينغا"، وتنظر لهم باعتبارهم وافدين جدداً من بنغلاديش وليس باعتبارهم مواطنين أصليين، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
أوباما والروهينغا
وأثناء هذا الظهور الأول لرئيس أميركي في ميانمار في عام 2012، استخدم أوباما كلمة "روهينغا" بينما كان يلقي خطاباً في جامعة رانغون، قائلاً إن أعضاء هذه الأقلية "تستقر في أنفسهم الكرامة نفسها التي تملكونها وأملكها أنا أيضاً".
واستخدم أوباما كلمة "الروهينغا" مرةً أخرى خلال زيارة قام بها في عام 2014، وفي عام 2015 استضاف ناشط الروهينغا البارز "واي واي نو" في البيت الأبيض لتناول العشاء. ويعتقد كثيرون بأنَّه ساعد في رفع الأهمية الدولية لملف الروهينغا.
وكتب "ناي سان لوين"، أحد نشطاء الروهينغا المقيم في أوروبا والذي يتواصل مع شبكة من الناشطين على الأرض في بورما، في رسالة بريد إلكتروني أنَّ "خُطب أوباما تاريخية بالنسبة لقضية الروهينغا، إذ سلَّط الضوء على كرامتنا، بينما الحكومة البورمية لا تعتبرنا بشراً".
منذ عام 2012، يعيش أكثر من 120 ألفاً من مسلمي الروهينغا في مخيمات للنازحين في ولاية "راخين" بعد أعمال العنف الدينية هناك التي أسفرت عن مقتل المئات.
وأصبحت محنة هذه الأقلية أكثر سوءاً بعد أن هاجمت مجموعة من مسلحي الروهينغا مواقع للشرطة في شمال الولاية العام الماضي، ما أسفر عن مقتل 9 أشخاص وفجّر حملةً عسكرية وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها وصلت إلى حد ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية". ونفت الحكومة الادعاءات بشأن ارتكاب جنودها جرائم الاغتصاب والحرق العمد، لكن هناك أدلة متزايدة على النقيض من ذلك.
ومع رحيل أوباما عن البيت الأبيض، تخشى الروهينغا فقدان حليفٍ مؤثر في واشنطن، وقلقة من تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب المعادية للمسلمين. احتفل المتشددون في بورما بفوز ترامب في الانتخابات، ويبدو أن جدول أعمال الرئيس المنتخب لم يتسع بعد لأية إشارة إلى هذا البلد.
ترامب والروهينغا
وخلافاً لبلدان أخرى في المنطقة، مثل إندونيسيا وماليزيا والهند، يبدو أن ترامب لن يكون لديه الكثير من الروابط القوية أو أي مصالح تجارية في بورما. كما أنه لم يتبنَّ الكثير من المواقف العلنية بشأن المخاوف المُثارة في البلاد.
كتب أندرو سلث، وهو خبير في شؤون بورما يُدرّس في جامعة جريفيث في أستراليا والجامعة الوطنية الأسترالية، ومؤخراً في عمود صحفي أن الإيماءة الوحيدة التي حركها ترامب تجاه هذه الدولة كانت تغريدة له على تويتر، معرباً فيها أنَ "أفكاره وصلواته" تتجه نحو ضحايا الزلزال الذي ضرب بورما في أغسطس/آب الماضي.
وأضاف قائلاً: "بغضّ النظر عن هذه الإيماءة، لم يُظهر ترامب أي اهتمام بالبلاد، ولم يُظهر أي معرفة بمشاكلها المعقدة.. ويمكن أن تكون هناك مسافة أوسع بين البيت الأبيض وقضية الروهينغا خاصة إذا تم الربط على نحو أوثق بين هجمات مسلحي الروهينغا ضد الشرطة في أكتوبر/تشرين الأول ودعم الجماعات المتطرفة في الخارج".
يُشير المتفائلون إلى حقيقة مفادها أنَ ثمَّة دعماً من الحزبين الأميركيين لبورما بعد خروجها من وطأة الحكم العسكري الذي استمر 5 عقود. إلا أنَ دعم حكومة "أونغ سان سو كي" الجديدة، هذه الناشطة الديمقراطية التي تحوَّلت إلى سياسية وقادت حزبها المعارض للفوز في الانتخابات في عام 2015، بعيد كل البعد عن دعم الروهينغا، الذين يشعرون بأنَّ "سو كي" تخلت عنهم.
ومثَّل أوباما نفسه على هذا التوتر عندما رفع العقوبات الأميركية المتبقية على بورما العام الماضي لدعم حكومة "سو كي" الجديدة، التي تولَّت السلطة رسمياً في أبريل/نيسان عام 2016. وأثارت هذه الخطوة استياء النشطاء الذين رأوا العقوبات وسيلة ضغط حاسمة ضد ما يقوم به الجيش في أماكن مثل ولاية راخين وغيرها من مناطق النزاع.
وقال: "ناي سان لوين" إنه رغم أن النشطاء في ولاية راخين يعتقدون جميعاً بأن ترامب لن يتحدث عن الروهينغا مثل أوباما، إلا أنَه سينتظر ليرى كيف ستسير الأمور، مضيفاً أنه في أي حال، الروهينغا في حاجة إلى ما هو أكثر من الكلمات الآن.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.