هل تستطيع البلدان العربية أن تتعلم من بعضها البعض من أجل إيجاد نموذج جيد؟
أياً كانت نظرة أي شخص للعالم العربي، يبدو في بعض الأحيان أن هذه البلدان العربية جميعاً تتهاوى واحدة تلو الأخرى، فهناك قنابل تنفجر في بغداد، ويقتل العشرات في سيناء، ويقتحم الجهاديون سجناً في البحرين ويتم تهريب مساجين خطرين، ويُسقط تنظيم الدولة الإسلامية طائرة مروحية عراقية، ويفر أكثر من 10 آلاف لاجئ من الموصل، كل ذلك خلال هذا الأسبوع فقط.
على الرغم من تلك الفوضى الخلاقة، كما يقول موقع The Atlantic، فإنه يجب أن ننظر إلى الاختلافات بين الدول العربية بدلاً من النظر إلى حجم الظروف المتشابهة فيها، فقبل أقل من عقد من الزمان، كانت البلدان العربية البالغ عددها نيفاً وعشرين متقاربة في اقتصادياتها وسياساتها بل وتشابهت مجتمعاتها إلى حد كبير، إلا أنه بعد قيام الربيع العربي، الذي كان حصاده مع مرور الوقت أقل بكثير من كونه ربيعاً. أصبحت السياسات والمجتمعات متباينة، بل وسوف تستمر في التباين خلال السنوات القادمة.
سياسة ترامب تجاه العرب
لا يبدو أن إدارة ترامب التي ستتولى السلطة قريباً تميل إلى اتباع سياسة محددة تجاه العالم العربي، الذي يعد مشكلة وفقاً للتحديات السائدة في المنطقة حالياً، إذ سوف تجرب الحكومة بعض السياسات، التي سيفشل بعضها بالتأكيد، إلا أن الولايات المتحدة ستستفيد من الدروس التي تعلمتها الدول العربية وجيرانها من كافة الأحداث، ما يهيئ فرصة كبيرة، إذ تستطيع استراتيجية الولايات المتحدة الناجحة في إحداث فارق بين منطقة تتجه إلى الاستقرار، وأخرى تستمر في الغليان، والذي يؤدي بالتبعية إلى عدم استقرار العالم ككل.
اعتاد المراقبون خلال فترات الثمانينات والتسعينات وبداية الألفية الجديدة، النظر إلى الشرق الأوسط على أنه منطقة غير مستقرة لدرجة لم نلحظ معها الاستقرار الحادث أمام أعيننا.
خلال فترة الخمسينات والستينات، أطاح الثوار بالملكية في مصر والعراق وليبيا وغيرها من البلاد، وطردت المقاومة المسلحة القوات الاستعمارية من الجزائر بعد معارك دامية، أما في بعض الدول مثل سوريا، فحدثت انقلابات وانقلابات مضادة، بالإضافة إلى الوحدة قصيرة المدة وغير الموفقة بين مصر وسوريا.
توقف الحديث عن عدم استقرار الشرق الأوسط تماماً خلال الفترة بين عامي 1969 و2003، إذ استمر ملوك ورؤساء الدول العربية في سدة الحكم حتى الموت، وكان انتهاء حكم شاه إيران عام 1979 هو آخر سقوط لحكم في منطقة الشرق الأوسط.
ومع مرور الوقت، تقلصت الفروق بين الحكومات، وقد بدأت بعض الملكيات في العالم العربي كالكويت والسعودية والأردن في التشبه بالجمهوريات أكثر وأكثر، من خلال انتخاب مجالس تشريعية ضعيفة لعبت دوراً استشارياً رمزياً بجانب الملك القوي، أما الجمهوريات مثل سوريا ومصر والعراق، فكانت لديها مجالس تشريعية ضعيفة أيضاً، بل كان رؤساء هذه البلاد يتصرفون في أغلب الأحيان مثل الملوك، ويبدو أنه كان هناك تصور لتبوء أبنائهم مناصبهم من بعدهم.
انتهى الخلاف الاقتصادي القديم بين الاشتراكية والرأسمالية العربية، إذ برز الإجماع في جميع الدول العربية على دور الدولة في الرعاية من خلال أمان اجتماعي قوي، ومستويات مرتفعة من العمالة الحكومية، وكان الإسلام السياسي جيداً طالما لم يخرج عن الإطار المرسوم له، وكان رد فعل الحكومات عنيفاً أمام أي تحدٍّ من شأنه أن يشرع باسم الدين.
بدا أن الحكومات تعمل بشكل فردي وجماعي من أجل رضا شعوبها، على الرغم من عدم رضا الملايين من مواطنيها، فقد ساعدوا بعضهم البعض، وتعلموا من بعضهم البعض، لدرجة أنهم قلّدوا بعضهم البعض.
ثورات الربيع العربي
سلكت كل دولة عربية طريقاً مختلفاً مع اندلاع ثورات الربيع العربي، إذ خلصت دول الخليج العربي إلى أن كثيراً من الأخطاء يرجع إلى النقص المادي، ومن ثم سعت إلى زيادة التوظيف الحكومي، بالإضافة إلى بعض أشكال الإعانات الأخرى، أما الملك محمد السادس ملك المغرب فاتبع سياسة مالية أقل إنفاقاً، ووضع نفسه في المقدمة كوسيط بين كافة القوى المتنافسة، بينما حفز الملك عبدالله، ملك الأردن، شعبه في ظل تصاعد التهديدات الخارجية، وأخذ الأموال من الشخصيات الثرية.
وحاول عبدالفتاح السيسي الرئيس المصري الرجوع بالوقت إلى الوراء، من خلال إحياء النموذج الناصري للحكومة التي يقودها التكنوقراط والعسكر التي دائماً ما تكون في حالة تأهب قصوى ضد أي تمرد داخلي، وكانت تونس هي الدولة الوحيدة من بين دول ما بعد الثورة التي حاولت بجهد حثيث تمكين مجلس تشريعي متنوع، والابتعاد عن إغراء السلطة.
النموذج الصحيح
أظهر انهيار الدولة في كل من سوريا وليبيا واليمن، والعراق كما يزعم البعض، العواقب الوخيمة للفشل في العثور على النموذج الصحيح، إلا أن التنوع في التوجهات عكس أيضاً اختلافات جوهرية بين بلدان الشرق الأوسط، التي رغم كل التقارب بينها، تعاني من مشاكل مختلفة عصيّة على الحل، وتهيمن عليها ظروف شديدة التباين.
بعض هذه البلدان كبير والبعض الآخر صغير، فكل مواطن قطري على كوكب الأرض يستطيع أن يتكيف بشكل مريح مع أي من أحياء القاهرة العشرين. فبعض البلدان غنية، والبعض الآخر فقير. على سبيل المثال، تبلغ نسبة عدد سكان الإمارات 4% فقط من سكان اليمن، في حين أن الناتج المحلي الإجمالي لليمن يبلغ 4% من الناتج المحلي الإماراتي.
بعض البلدان لديها موارد طبيعية، بينما يفتقر البعض الآخر لهذه الموارد. وبعض هذه البلدان لديها تركيبة سكانية متجانسة، والبعض الآخر لديه تركيبة سكانية أقل تجانساً. بعض هذه البلدان لديه أيدٍ عاملة ماهرة، بينما هناك بلدان أخرى ليس لديها عمالة مدربة. وبالطبع تتفاوت كفاءات الحكومات تفاوتاً كبيراً.
تكافح الدول التي تضرر اقتصادها جراء انخفاض أسعار البترول، والدول التي تحتل فئة الشباب مساحة كبيرة في تركيبتها السكانية، والدول التي لفتت تكنولوجيا الاتصالات فيها الانتباه إلى رسائل جديدة ومبتكرة -وليس إلى قوة الحكومة- من أجل الاستقرار كلٌ وفق أدواتها المختلفة. ومع تزايد التحديات ستحتاج كل دولة إلى خوض التجربة، وكما هو الحال في جميع التجارب، فإن النتائج لا تكون مضمونة.
ظلت الدول العربية تتحرك ببطء مترف لأكثر من 30 عاماً، إلا أن أحداث عام 2011، وانخفاض أسعار البترول في عام 2014 التي استقرت عند سعر أقل من نصف أعلى سعر لها، يعني أن هذا الترف أصبع صعب المنال حالياً.
سؤال محوري
يظل السؤال المحوري الذي لم نجد له إجابة حتى الآن: هل الحكومات الاستبدادية تسهم في حل مشاكل المنطقة أم تعقدها أكثر؟
أو بصياغة أخرى، هل كان خطأ الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك أنه بقدر حفاظه على حكمه أصبح شديد القمع؟ أم أنه لم يكن قمعياً بما فيه الكفاية؟ كيف ينبغي على الزعيم الليبي الجديد – عندما يأتي – أن يتعامل مع تقسيم البلاد؟
هل يعتبر العنف المنتشر حالياً في العراق نتيجةً لحكم صدام حسين المستبد، أم أنه مجرد سبب له؟
يرى الكثيرون في الولايات المتحدة أن الليبرالية تعتبر أفضل رد ممكن في مواجهة الراديكالية، بينما يؤمن الكثيرون في المنطقة بالاتجاه المحافظ الحذر.
هناك مجموعة أخرى من التساؤلات تتعلق بكيفية توجيه الفئات الشبابية والمثقفة والمترابطة من الشعوب، خصوصاً في ظل تلاشي الفكر السياسي، وبروز الولاء والطاعة على نطاق كبير في الشرق الأوسط لوقت طويل.
بعض أصعب هذه التساؤلات يتعلق بكيفية إرساء استراتيجية اقتصادية جيدة للدول العربية، التي تتميز باتساع فئة الشباب في تركيبتها السكانية، وصغر القطاعات الصناعية نسبياً، وانخفاض الإنتاجية، أين المزايا التنافسية لهذه البلدان؟
تعد أجور المواطنين في الكثير من الدول العربية الغنية أقل تنافسية بالمقارنة بالمعدلات العالمية، وانخفاض المنتجات يعقد المشكلة أكثر، بينما تزداد مشاركة الأيدي العاملة النسائية بوتيرة متباطئة، هناك عدد صغير نسبياً من القوى العاملة يعولون عدداً كبيراً من النساء غير العاملات والأطفال وكبار السن.
لعب تشابه الحكومات المختلفة في المنطقة ورغبتها في التضييق المادي دوراً كبيراً في اندلاع ثورات عام 2011، إلا أنها تستخدم استراتيجيات متباينة على نطاق واسع في ظل ظروف مختلفة لدفع اقتصادياتها إلى الأمام.
يكاد يكون من المؤكد أن بعض تجارب هذه الحكومات ستحقق نجاحاً أكثر من الأخرى، وبعض هذه الحكومات ستكون قادرة على التحول أكثر من الأخرى. وعلى الرغم من التأكد من أن الولايات المتحدة لا تستطيع اتخاذ قرارات بلدان أخرى وفق ما تراه مناسباً لمستقبلها، إلا أن الرئيس الأميركي بالتأكيد له تأثيره. فالولايات المتحدة لعبت دوراً هاماً في تشجيع التنمية في شرق آسيا خلال فترة الخمسينات، وكانت شريكاً لأوروبا الشرقية في التسعينات.
سترسم الطريقة التي تحدد بها البلدان العربية خياراتها، وطريقة تعلمها من تجاربها وتجارب جيرانها مسار المنطقة خلال السنوات القادمة. كما أن الولايات المتحدة لها مصلحة خاصة في طريقة حدوث هذه العملية، فضلاً عن دورها فيها.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع The Atlantic. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.