هذه أوقات ضبابية في خليج غوانتانامو. ليس فقط بالنسبة للمعتقلين وإنما حرّاسهم أيضاً. بعد 8 أعوامٍ حاول فيها الرئيس أوباما إغلاق المعتقل – وفشل – ماذا يعني الرئيس دونالد ترامب لمستقبل غوانتانامو؟
وصل أول المحتجزين إلى معسكر X-Ray قبل 15 عاماً في الأشهر الأولى ما كان يُسمّى حينها "الحرب على الإرهاب". زرته للمرة الأولى بعدها ببضعة أسابيع وراقبت الرجال في أزيائهم البرتقالية داخل الأقفاص الحديدية تحت الشمس الكوبية الحارقة.
وقع الاختيار على غوانتانامو جزئياً لأنه ليس على أرضٍ أميركية، وبالتالي لا يخضع للقوانين الأميركية العادية. كان للمعسكر حينها إحساس بالعشوائية؛ كانت إدارة بوش ترتجل ولم يكن أحدٌ واثقاً إلى متى سيدوم الأمر، وفقاً لتقرير نشرته شبكة BBC الإخبارية البريطانية.
في المرة التالية التي زرته فيها – بعد عامين – كان المعسكر قد استُبدل ببناء معسكر دلتا المصمم ليدوم أكثر. غوانتانامو جاء ليبقى.
تزايدت أعداد المعتقلين فوصلت إلى 700 في ذروتها. لكن في اليوم الثاني من عهده قبل 8 أعوام تعهّد الرئيس أوباما بإغلاق المؤسسة وارتفع معدل أعداد الذين يتم نقلهم.
في زيارتي قبل بضعة أسابيع، وجدت معظم المعسكر فارغاً بشكلٍ مريب، بينما تطوف سحليةٌ ضخمة وحيدة حول الأسلاك الشائكة. لكن إغلاق غوانتانامو كان وعداً لم يستطع الرئيس أوباما الوفاء به، جزئياً لأن الكونغرس حظر نقل أي معتقلين إلى الولايات المتّحدة.
مُناخ محكوم
يوجد الآن في معسكر غوانتانامو أقل من 60 رجلاً. 20 منهم مصرّح بإطلاق سراحهم، وتحاول إدارة أوباما نقل بعضهم قبل نهاية فترتها الرئاسية.
لكن في الثالث من يناير/كانون الثاني، أوضح الرئيس المنتخب ترامب رؤيته في تغريدة. كتب ترامب: "لا ينبغي أن يتم إطلاق سراح المزيد. هؤلاء أشخاصٌ خطيرون جداً ولا ينبغي السماح لهم بالعودة إلى ساحة القتال".
أغلب المعتقلين المتبقين موجودون الآن بالمعسكر رقم 6.
كانت الضبابية التي تحوم حول القاعدة واضحة أثناء جولتنا في مربع الاحتجاز. تمكننا من مراقبة وتصوير المعتقلين في الأماكن المشتركة من مربع الزنازين من خلال زجاج أحادي الشفافية، وهي عملية غير مريحة.
لم يكن من المفترض أن يعلم المعتقلون أننا هنا لكن من الواضح أنهم عرفوا بذلك، إذ رفع أحدهم لافتة مرسومة باليد تُظهر علامة استفهام تحتها قفل.
تتبعوا نتائج الانتخابات مثل الجميع، وأخبرني قائد قوة الاحتجاز المشتركة ستيف جابافيكس بأنهم "كلهم كانوا يشاهدون التلفاز، وكان سلوكهم في تلك الليلة يشبه كثيراً أي ليلة أخرى".
"لم نلحظ أي رد فعل سلبي كبير. لم يأتِ أحدهم إلينا غاضباً، ولم يحتجّ أحد. كانوا فقط مهتمين بمشاهدة ما سيحدث".
أحد الاختلافات عن زياراتي السابقة كان التفاهم الذي ربما يصل إلى درجة الملل في التفاعل بين المعتقلين والحراس، مقارنةً بالأيام الأولى.
كانت هجمات 2001 لا تزال طازجة، وكان هناك توترٌ وإحساس بالغضب الكامن عند الجانبين. الآن، المُناخ تحت السيطرة أكثر بكثير.
يطرق المحتجزون على نافذة من أجل استدعاء أحد الحراس حينما يريدون تمرير رسالة ما، ويتقدم الحارس من خلال بابٍ إلى بناءٍ شبيه بالقفص داخل مربع الزنزانة حيث يمكنه التواصل مع المعتقل.
خلال زيارتنا في ديسمبر/كانون الأول، قال المسؤولون إن المحتجزين "مطيعون".
لكن ماذا سيعني وصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم؟
يقول الأدميرال البحري بيتر كلارك، قائد وحدة غوانتانامو الحربية المشتركة: "تعرف أن المعتقلين لديهم أسئلة: هل ستتوقف الانتقالات عندما يتولى الرئيس الجديد الحكم في العشرين من يناير/كانون الثاني؟ لا تدري، ولا يدرون. ربّما يحاول محاميهم التكهّن، لكن لا أحد يعرف".
إلا أنه قال – قبل تغريدة دونالد ترامب الأخيرة – إن "بعضهم ربما يحاول الاعتراض" إن أدركوا أنّهم لن يُنقلوا.
معتقلون جُدد
في مكانٍ آخرٍ من القاعدة، التي تمتدّ في طرفٍ معزول من كوبا، يوجد المعسكر سبعة. موقعه سري – ما أثار تكهنات المراسلين الزائرين.
هذا هو المكان الذي يُحتجز فيه من يسمّون بالمعتقلين القيّمين – رجالٌ مثل خالد شيخ محمد، العقل المدبر المزعوم لهجمات 11 سبتمبر/كانون الثاني الذي يمرّ بعملية المحاكمة العسكرية الطويلة البطيئة.
هل من الممكن أن المسألة لن تتوقف عند توقف الانتقالات، وإنما سيحظى المعتقلون الحاليون برفاقٍ جُدد؟
قال ترامب في مسار الحملة الانتخابية في فبراير/شباط العام الماضي: "سنملأه بالأشخاص السيئين".
بُني المعسكر 5 من أجل احتجاز المعتقلين لكنه الآن فارغ. ماذا لو قرر الرئيس ترامب أنه لا يريد منعهم من الرحيل فقط وإنما إرسال معتقلين جُدد؟
السعة القصوى للمعسكر 6 حوالي 175 معتقلاً. يسع المعسكر 85 معتقلاً، وقد تم تحويله جزئياً إلى مؤسسة طبية جديدة. يعني هذا أن غوانتانامو يمكن أن يتسع لأكثر من 100 محتجز إضافي وبشكل فوري. الزيادة عن هذا ستتطلب أعمال بناء.
يقول المسؤولون إنه "افتراضٌ منطقي" أن يرغبوا في فصل المعتقلين القدامى عن الجدد الذين هم على الأغلب من أعضاء التنظيم المسمى بالدولة الإسلامية بدلاً من تنظيم القاعدة. وقال الكولونيل جابافيكس: "إننا مستعدون لتلقي البعض إن كان هذا مطلوباً في المدى القصير".
"أوامر قانونية"
كان ضغط إدارة أوباما من أجل إغلاق غوانتانامو يعني أيضاً عدم الرغبة في القبض على المزيد من المعتقلين في عمليات مكافحة الإرهاب حول العالم، وفقاً لبعض المسؤولين السابقين.
يعتقدون أيضاً أن سياسة "لا سجناء" خلقت حافزاً على القتل بدلاً من الاعتقال، إذ زادت الإدارة من معدل هجمات الطائرات دون طيار وانتشارها الجغرافي، وهو ما يمكن أن يعني – في بعض المواقف – ضياع معلومات استخباراتية مهمة قد يتم الحصول عليها من الاستجواب أو المواد التي يُعثر عليها.
قال ترامب أيضاً إنه قد ينظر في إعادة ممارسات إيهام المعتقلين بالغرق. هل يمكن أن يحدث هذا في غوانتانامو؟ قال الأدميرال كلارك إنه "واثق" من أنه لن يحدث تعذيب في غوانتانامو.
وأضاف: "أياً تكن الأوامر التي نتلقاها، بحلول الوقت الذي تصل إليّ فيه من القيادة الجنوبية الأميركية، فأنا واثق أنّها ستكون أوامر قانونية أستطيع تنفيذها".
في الأعوام الـ15 منذ افتتاح غوانتانامو، تغيرت الخطوط العريضة لحرب أميركا على الإرهاب.
برز أعداءٌ جُدد، وسيُترك للرئيس الجديد الإجابة عن السؤال حول ما يجب فعله بمن تحاربهم أميركا – أين يوضعون، وكيف يُعاملون، وهل يقتلون أم يؤسرون.
من جانبها، تُمارس منظمة العفو الدولية ضغطاً أخيراً لإقناع الرئيس أوباما بتخطي الكونغرس وإغلاق معتقل غوانتانامو قبل نهاية فترته الرئاسية. دعت العفو الدولية إلى حملة على شبكة الإنترنت وفي مواقف الحافلات وإلى تنظيم مسيرة أمام البيت الأبيض يوم الـ11 من يناير/كانون الثاني، فيما سمّته "جهداً قوياً" لدفع أوباما إلى الوفاء بوعده بإغلاق المؤسسة، وفقاً لموقع "ذا هيل".
– هذا الموضوع مترجم عن موقع شبكة BBC الإخبارية البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.