في وصف جحيم حلب

مدينتي لم تصبح هي نفس مدينتي التي نشأت وتربيت فيها، استحضر في ذهنك أقسى مشاهد المدن المخربة في الأفلام التي تصور دمار المدن في الحروب العالمية، ولن تقترب إلى وصف مدينتي الآن، إذا وجدت بيتاً غير متهدم تنظر إليه باستغراب، هذا إذا أتيحت لك فرصة المشي في الشارع للتأمل والمشاهدة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/03 الساعة 00:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/03 الساعة 00:41 بتوقيت غرينتش

هل من سائل فأرد عليه؟ هل من مستوصف فأصف له؟ أسمع شخصاً ما يستفسر عن الجحيم، أنت محظوظ يا صديقي، فقد وقعت على الخبير، فأنا من سكان حلب، ومن قد يجيبك عن الجحيم إلا ساكن بحلب.

الحمم المتساقطة علينا من السماء هي أهون ما في هذا الجحيم الذي تسألني عنه، فأنت محظوظ إن كانت من نصيبك فهي على أي حال ستخرجك من هذا الجحيم، وهي تسقط علينا من كل شكل ولون، صواريخ وقذائف وبراميل، كل هذا بالطبع بخلاف الكيماوي الذي أصبح مصاحباً لكل قصف.

* الأطفال
أتكلم هنا عن قعر الجحيم، فأنت لم تعرف معنى أن تجلس أنت وأسرتك -أو المتبقي منها- أثناء تعرض المدينة للقصف وأطفالك يسألونك عن المخرج وأنت عاجز عن إيجاد أي حل، كل ما عليك فعله هو الانتظار، القصف لا يتوقف، والخوف لا يسكت عنك، خوفك على أبنائك وأهلك، خوفك على بلدك، وعلى دينك.

* القبور
ففي هذه الأيام أمست بيوتنا، التي شيدناها نحن وأجدادنا، بمثابة القبور للكثير منا، فالصاروخ عندما ينزل على البيت يحوله إلى قبر جماعي في غمضة عين، والقصف لم يترك لنا آليات الدفاع المدني التي قد تساعد حتى في انتشال الجثث، أين الوعاظ الذين كانوا يلومون أهلنا بأنهم عمروا بيوت الدنيا ونسوا بيوت الآخرة؟! ها نحن قد أصبحت منازلنا أول منازل الآخرة، لقد أصبح الكل في واحد، بيوتنا قبورنا، وقبورنا بيوتنا.

* الجوع
أصبح هو الشعور الأصلي والأساسي في حياتنا، تكيفنا معه لدرجة أنني صرت لا أتذكر شعور الشبعان، أعرف أنك لن تفهم ما أقول لك، ولكن دعني أقرب لك الصورة، فأنت عندما تصاب بمرض تشعر بألم وتتساءل عندها عن شكل شعورك بالصحة.

* المرض
المستشفيات عندنا يا صديقي صارت من أخطر الأماكن، قد تدخلها طبيباً أو مصاباً، فلا تخرج منها على الإطلاق، فالقذائف تستهدف المستشفيات بالذات، فبمجرد أن يتنامى لعلم عدونا -أو أعدائنا على الأصح- مكان مستشفى ميداني ما، لا يهدأ له بال حتى يتحول هذا المستشفى إلى قبر جماعي، وهذا بالطبع إلى جانب نقص أو انعدام الأدوية، أطباؤنا أبطال لم تفتر عزيمتهم رغم ما حكيت لك عنهم.

* الخراب
مدينتي لم تصبح هي نفس مدينتي التي نشأت وتربيت فيها، استحضر في ذهنك أقسى مشاهد المدن المخربة في الأفلام التي تصور دمار المدن في الحروب العالمية، ولن تقترب إلى وصف مدينتي الآن، إذا وجدت بيتاً غير متهدم تنظر إليه باستغراب، هذا إذا أتيحت لك فرصة المشي في الشارع للتأمل والمشاهدة.

* التاريخ
عندما أَنْظرُ إلى التاريخ أصبح أكثر قلقاً، فالتاريخ القديم يصور لنا سقوط غرناطة، والتاريخ القريب يصور سقوط عكا وحيفا، ودعني أقول لك بصوت منخفض حتى لا يسمع أبنائي: إنني لا أظن أننا سنكون أفضل حالاً من هاتين المدينتين، فالظروف واحدة، وأنا يا صديقي لا أريد أن أخدع نفسي، كما خدع سكان هذه المدن أنفسهم وقتها بأن النصرة ستأتيهم من إخوانهم، فالكل يا صديقي في قبضة الطغيان مأسور، والطغيان بقيد الخيانة مغلول.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد