قامت أستراليا بتوطين نحو 6 آلاف لاجئ، وهو نصف العدد الذي كانت قد وافقت على استقبالهم على مدار الـ13 شهراً الماضية جراء النزاع القائم في سوريا؛ ولكن كيف يتعايش هؤلاء مع حياتهم الجديدة بالبلاد؟
مضى عام منذ وصول ليمين بيرلي، وهو أحد اللاجئين السوريين، بصحبة زوجته وأبنائه الثلاثة إلى العاصمة الأسترالية سيدني. بحسب ما نشره موقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.
وخلال أيام قليلة، تلألأت السماء فوق ميناء أكبر المدن الأسترالية بأنوار ووهج الألعاب النارية التي تبشر بقدوم عام جديد.
يشعر الوافدون الجدد بالتفاؤل بسبب الرحلة التي يقومون بها. وكان ليمين، البالغ من العمر 52 عاماً والذي يعمل مندوب مبيعات دوائية سابق، يطمح في افتتاح شركة خاصة به بمساعدة شقيقه الذي يتولى إدارة متجر لبيع الكعك في ضواحي سيدني.
وبعد انقضاء 12 شهراً، تضاءلت تلك الطموحات وتعيش حالياً أسرة بيرلي في منزل متواضع في جيلدفورد، وهو حي متعدد الثقافات يبعد 25 كم (15 ميلاً) عن دار الأوبرا في سيدني.
لقد اضطر هؤلاء بسبب الحرب على هجر منازلهم في حمص، ثالث أكبر المدن السورية، وسعوا وراء العيش في أمان في مصر.
تقرير نشره موقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي نقل عن ليمين قوله: "كان الانتقال من سوريا إلى أستراليا صعباً للغاية. فهناك اختلافات هائلة في الثقافة والتقاليد. إنني أناضل ولكنه ليس أمراً سهلاً وأنا على أمل أن يصبح الأمر أكثر يسراً في المستقبل".
لم يكن ليمين يجيد اللغة الإنكليزية، ورغم أنه يتلقى دروساً في اللغة، إلا أن افتقاره إلى مهارات اللغة كانت تمثل عقبة هائلة، على غرار إصابة العمود الفقري المزمنة.
حياة جديدة
ونقل التقرير عن أحمد حمد، وكيل الهجرة الذي ساعد العديد من الأسر السورية على الانتقال إلى سيدني، قوله إن أغلبية اللاجئين ليسوا قادرين على التكيف مع الحياة الجديدة.
وأوضح حمد "هناك أناس لا تروق لهم البلاد حتى بعد قضاء عام كامل بها ويخشون الاختلاط بالمجتمع الأسترالي".
وتابع "لا يزالون منعزلين ويحتفظون بنفس الخلفية الثقافية وأعتقد أنهم يربون أبناءهم بنفس الطريقة، وأرى أنه أمر مقلق للغاية. فهم يعيشون في أستراليا ولكنهم لا يعتنقون بالفعل القيم الأسترالية".
إنه تقييم صعب، ولكن المسؤولين قد أقروا أن الكثير ممن يفرون من النزاع السوري قد وجدوا أن الحياة قاسية في أستراليا وأن العثور على وظيفة ليس بالأمر اليسير.
وذكر البروفيسور بيتر شيرجولد، المنسق العام الجديد لتوطين اللاجئين في نيوساوث ويلز "إنه شعور مختلط غير عادي".
وأضاف: "أعتقد أن أول ما يشعرون به عند الخروج من المطار هو الارتياح بإمكانية إقامة حياة جديدة؛ ولكنهم يشعرون بالطبع أيضاً بالقلق الشديد على ما خلفوه وراء ظهورهم، فهل هذا هو القرار الصائب؟
ويعتقد أنه من المهم أن يختلط المهاجرون مع المجتمع الأسترالي الأوسع نطاقاً.
وقال: "إنهم قادمون إلى مجتمع وُلد 27% من الأستراليين المقيمين به خارج البلاد، وهناك نسبة مماثلة لديها أحد الأبوين مولود خارج أستراليا".
وأضاف البروفيسور شيرجولد "إنهم وافدون إلى مجتمع اعتاد على التنوع ويساعد الآخرين على الاندماج به. نعم، في البداية سوف ترغب للعيش في المناطق التي يتواجد بها الأشخاص المماثلون لك من حيث العرق أو الدين، ولكن يتعين عليك الخروج من ذلك الإطار إذا ما كنت تسعى وراء الحصول على وظيفة".
ومن المتوقع أن يصل اللاجئون المتبقون البالغ عددهم 6000 شخص إلى أستراليا خلال عام واحد.
ومع ذلك، يعتقد أليكس جرينتش، العضو المستقل ببرلمان ولاية نيو ساوث ويلز، أنه يتعين أن تتم إدارة برنامج المساعدات الإنسانية بصورة أسرع.
وقال "تتسم عملية هجرة اللاجئين وطالبي اللجوء السياسي بالبيروقراطية الشديدة. من الأفضل للاجئ أن يقضي وقتاً أقل داخل المخيم وسرعان ما يتم الترحيب به في المجتمع ودمجه به. يعد ذلك أفضل لصحة اللاجئ البدنية والعقلية. ومن الواضح أنه أمر ينبغي أن نضعه ضمن قائمة الأولويات والصدارة".
وقد أشارت الحكومة في كانبرا أنها تستطيع إعادة توطين عدد أكبر من هؤلاء النازحين جراء النزاع والقتال الدائر في سوريا.
ونقلت وسائل الإعلام المحلية عن وزير الهجرة بيتر داتون قوله "إذا ما أحسنا إدارة هذا البرنامج، سيسمح لنا أن نخاطب الشعب الأسترالي برغبتنا في التوسع في هذا البرنامج. وإذا ما آمن الناس بنزاهة تلك العملية، فإن ذلك يمنح الحكومة التوسع واستقبال أعداد أخرى بخلاف 12 ألف لاجئ كانت قد وعدت باستقبالهم".
ومع احتدام الصراع في سوريا، تتابع عبير بيرلي، زوجة ليمين في سيدني التي تبعد عن سوريا مسافة 14 ألف كم تطورات النزاع عن كثب من خلال القنوات التلفزيونية العربية وعبر شبكة الإنترنت. وتواجه بيرلي أوقاتاً عصيبة جراء تواجد بعض الأصدقاء والأقارب وسط عمليات القتال داخل سوريا أو سعيهم وراء الفرار إلى البلدان المجاورة.
ونقل عنها تقرير بي بي سي قولها: "أشعر بالذعر الشديد وأتمنى أن تنتهي الحرب".
وبينما يقضي أبناؤها الثلاثة – ابنتها البالغة من العمر 10 سنوات وابناها الآخران الأصغر سناً – أوقاتهم بالمدرسة ويلعبون كرة القدم مع الأصدقاء ويجيدون اللغة الإنكليزية تدريجياً، تتوق عبير وزوجها لشيء واحد فقط – هو أن يتمكنا يوماً ما من العودة في سلام إلى وطنهم الحبيب سوريا.
هذا الموضوع مترجم بتصرف عن موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.