في مناخ انخفضت فيه الحرارة عن درجة التجمد، كان الناس يحرقون كل ما تصل إليه أيديهم، بما في ذلك البطانيات والملابس، ليحتفظوا لأنفسهم وأبنائهم بالدفء باختصار هذه حالة أكثر من 40 ألف مدني طالتهم مؤخراً عملية التهجير القسري عن مدينة حلب.
ماريان غاسر رئيسة بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سورية صرحت أن مهمة الهلال الأحمر السوري وموظفي اللجنة الدولية اقتصرت على تأمين خروجهم سالمين إضافةً إلى طمأنتهم وتقديم بعض الإرشادات اللازمة فقط.
تصريح غاسر كان مغايراً لنازحي كفريا والفوعة (موالين للنظام) الذين تم تجهيز مساكن خاصة لاستقبالهم، على عكس نازحي حلب الذين اضطر عددٌ كبير منهم للنوم في العراء.
هذا وتواجه سوريا منخفضاً جوياً قاسياً مصحوباً بكتل هوائية باردة ضرب مناطقها الشمالية وأدى إلى تساقط ثلوج تعدت سماكتها في بعد المناطق حاجز الـ 60 سم، فيما يواجه سكانها حالة إنسانية صعبة في ظل انعدام التجهيزات وارتفاع أسعار المحروقات اللازمة للتدفئة في حال توفرها.
مأساة!
"نتجه إلى المأساة، آلاف الأسر الحلبية تركت لمصيرها في مواجهة العاصفة بمعنييها المجازي والحرفي" يقول الناشط محمد مالك 27 عاماً لـ"عربي بوست".
يتابع مالك "حاولنا خلال فترة تواجدنا في نقطة الإخلاء تأمين العائلات التي لا تملك أقرباء يعيشون في المناطق المحررة، لكن العدد الكبير أبقانا عاجزين عن تأمين أي حلول بما فيها إنشاء مخيم مؤقت لإيوائهم".
مئات العائلات ما زال أفرادها يسكنون في سياراتهم حتى اللحظة فيما قام آخرون بإنشاء خيم استخدموا في بنائها ما توفر لديهم من بطانيات وقطع قماشية بحسب وصف مالك.
وما يزيد من المعاناة وجود آلاف الأطفال الخارجين من الحصار لا يملكون ثياباً شتوية أو أحذية تقيهم البرد، إضافة إلى وجود عدد كبير من المصابين وكبار السن والذين سيشكل بقاؤهم في العراء خلال موجة البرد تهديداً حقيقياً على حياتهم.
ما دفع الكثير من نازحي حلب إلى ريفها لتقطيع بعض الأشجار وتوزيعها على النازحين في محاولة لتأمين بعض الدفء لهم.
الهلال الأحمر السوري جهّز بيوتاً للنازحين
أحد متطوعي الهلال الأحمر الذي يعتذر عربي بوست عن ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال إن الهلال الأحمر جهز أكثر من 140 شقة صغيرة في المنطقة الصناعية بحسياء التابعة لمحافظة حمص وسط سوريا ضمن استعداداتهم لاستقبال النازحين.
وبحسب المتطوع إن الحديث هنا لا يتعلق بنازحي مدينة حلب بل المساكن جهّزت بأمر مباشر من مدير فرع المنظمة في مدينة حمص وتم تزويدها بكافة متطلبات الحياة الأساسية من مستلزمات التدفئة، المنامة، الإطعام وحتى أجهزة تسخين المياه بالطاقة الشمسية، لكن تم تخصيصها لنازحي قريتي كفريا والفوعة المحاصرتين.
وكان قد خرج ضمن تسوية 1500 من سكانها بمقابل الإفراج عن حياة أكثر من 40 ألف محاصر في أحياء حلب الشرقية لم تقدّم لهم منظمتنا الإنسانية وحتى هذه اللحظة أي مساعدات تذكر عدا الإشراف على تهجيرهم.
منظمة الهلال الأحمر العربي السوري وبحسب ميثاق تأسيسها هي منظمة يفترض بها "الحيادية وعدم الانحياز" خاصة مع ظروف الحرب التي تعيشها سوريا منذ سنوات، لكن وبسبب ارتباط إدارتها بالجهات الأمنية صاحبة السلطة الفعلية في البلاد تم تهميش دورها الإنساني وحصره بمن وإلى النظام.
فقدت المنظمة وبحسب المتطوع عدداً كبيراً من كوادرها في السنوات الأخيرة كان من بينهم 57 شهيداً سقط معظمهم على يد الجيش السوري بالإضافة إلى عدد كبير من المعتقلين مازالوا حتى اللحظة يقبعون في أقبية المخابرات ودون أن تقوم إدارة المنظمة بأي تصرف تجاههم.
زيارات تفقدية في حلب
منظمة الهلال الأحمر العربي السوري كانت قد أعلنت وعبر صفحة فرعها في حلب على موقع فيسبوك بأن كوادرها قامت بتنظيم زيارة تقييمية لمراكز الإيواء في
منطقة جبرين والتي خُصّصت لسكان مدينة حلب ممن سلموا أنفسهم لقوات النظام قبل عملية الإجلاء.
المنظمة وبحسب شهود عيان اكتفت بتقييم الخدمات المقدمة للنازحين وإعادة تقييم أوضاع بعض العائلات من حيث أحقيتهم بالإيواء لا أكثر.
المتطوع السابق لدى المنظمة ماهر الدريد أوضح لـ"عربي بوست" أن المنظمة تمتلك عدداً كبيراً من وسائل الضغط على النظام كان على إدارتها استخدامها للحفاظ على أرواح متطوعيها، كالتلويح بإيقاف العمل أو الانسحاب كما فعلت المنظمات المشابهة العاملة في أفريقيا بعد تعرض عدد من كوادرها للاختطاف.
وبحسب ماهر إن المنظمة فقدت الحيادية على الرغم من تكرار حالات القتل والاعتقال التي تعرض لها متطوعو الهلال الأحمر العربي السوري على يد نظام دمشق والميليشيات الموالية له فإن المنظمة لم تصدر خلال سنوات "الأزمة السورية – كما تصفها" أي بيان رسمي بتحميل المسؤولية.
لكن الصلات الوثيقة بين إداريي المنظمة ومفاصل النظام فرضت عليهم التضحية بحيادية المنظمة وأرواح متطوعيها وحولتها من منظمة إنسانية تحمل شعار "من أجل الجميع في كل مكان" إلى وسيلة تكافئ الموالين وتترك المعارضين يواجهون مصيرهم" على حد قول ماهر.
وكانت المنظمة فقدت عدداً كبيراً من الشهداء لم يكن آخرهم المتطوع عمر بركات رئيس فرعها في ريف حلب والذي قضى نحبه في 19 أيلول/سبتمبر 2016 نتيجة قصف جوي قامت به طائرات روسية لإحدى قوافل المساعدات التي كان يرافقها.