كانت دولوريس وينستيد صامتة بينما تقف بجوار سرير زوجها الذي وضع يده بين كلتا يديها. كانت كليتا الرجل البالغ من العمر 88 عاماً بدأتا في الانهيار، ولم يكن أكل شيئاً منذ أيام، وضغط دمه يزداد انخفاضاً.
مع تدهور حالة ترينت وينستيد، وقبل أن تسقط دولوريس مريضة إلى جانبه، قالت المرأة ذات الثلاثة والثمانين عاماً بصوتٍ ناعم لابنتها "لا أعرف ماذا سأفعل من دونه".
عاش الزوجان القادمان من مدينة ناشفيل الأميركية سوياً قرابة 64 عاماً، وقد مرّا معاً بالعديد من الأحداث، سواء الأعوام التي قضاها ترينت بالخدمة العسكرية في الحرب الكورية، أو مولد الطفلين، والأحفاد الثلاثة، وأبناء الأحفاد الثمانية. لأكثر من ستة عقود، بقيت دولوريس وترينت جنباً إلى جنب.
في أوائل الخمسينيات -قبل أن يرحل تريتنت إلى الحرب مباشرة- بدأ الزوجان في مواعدة بعضهما. كان يكتب لها رسائل طويلة من خارج البلاد، يخبرها أنّه "سعيدٌ للغاية بتلقي خطاباتها". وعندما تقدم ترينت لخطبتها في النهاية، أراد بشدة أن تكون زوجته لدرجة أنّه تقدم لها وهي تغسل أسنانها، فأنّى لها أن تقول لا بفرشاة أسنان في فمها؟
كانا قطبين متضادين: دولوريس، امرأة متحفظة تعشق الطبخ، وترينت، لاعب جولف، اجتماعي وشغوف بالصيد. كان يعمل في مصنع فورد للزجاج، وكانت هي تعمل في كتابة الترانيم للكنائس.
وبعد التقاعد، قضيا سوياً أياماً هادئة لا نهاية لها في منزلهما، يشاهدان نشرة أخبار العاشرة مساءً على الأريكة كل ليلة، ويذهبان إلى الكنيسة معاً كل يوم أحد. كان يناديها بـ"ماما"، أو باسمها الأوسط، آيلين، يسرق منها القبلات، ويراقصها في الأعراس.
في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، قالت ابنتهما شيريل وينستيد "بدا الأمر بسيطاً للغاية لكنه حلو للغاية. لقد أحبا بعضهما خلال الأيام الرتيبة. وكان حبّهما يزداد أكثر وأكثر كل يوم".
كان ترينت من المحاربين القدامى أقوياء البنية أصحاب أوسمة "القلب الأرجواني" (التي تُمنح للمصابين في الميدان)، ولم يُحب أبداً الذهاب إلى الطبيب. كان يقول دائماً "سأكون بخير". إلا أنه عندما أدّى به الغثيان إلى الامتناع عن تناول الطعام لعدة أيام في وقتٍ سابقٍ من الشهر الجاري ديسمبر/كانون الأول 2016، أجبرته ابنته على الذهاب إلى المستشفى.
وعندما بدأ الطاقم الطبي في غرفة الطوارئ في علاجه يوم السادس من ديسمبر/كانون الأول 2016، كان من الواضح أن كليتيه تتوقفان عن العمل، وأنه في حاجة إلى غسيل كلوي. أُدخل ترينت إلى وحدة العناية المركزة، وبدأ الغسيل الكلوي في إضعاف قلبه.
حاول الأبناء تقليل المعلومات التي تعرفها أمّهما عن الحالة. ولكن بعد فترة، حتى دولوريس صارت على علم بأن حالته تسوء سريعاً.
على مدار أول يومين في المستشفى معه، بدا أن دولوريس امرأة ذات صحة جيدة بالنسبة لسنها، تشعر بأنها بخير. لكن في ليلة السابع من ديسمبر/كانون الأول 2016، بدأت تشكو من الصداع. ثم بدأت في التقيوء. وفي حوالي العاشرة مساءً من تلك الليلة، جلست إلى كرسي في غرفة زوجها بالمستشفى، ترتاح في وضع الجلوس ورأسها مسترخٍ. هذه الوضعية ليست غريبة بالنسبة لها في قيلولتها، وفقاً لابنتها شيريل وينستيد، لذا فلم يكن الأمر مقلقاً في البدء.
غير أنها لم تستيقظ عندما حاولت ابنتها إيقاظها بهز كتفها، واستمرت في التنفس بينما أسرعت بها الممرضات في محاولة إنعاشها بغرفة الطوارئ، لكن نشاطها الدماغي لم يعد يعمل. عانت دولورس من نزيفٍ مخي حاد.
وضعها الطاقم الطبي في غرفة بالمستشفى منفصلة عن ترينت، حيث أبقوها متصلة بجهاز التنفس الصناعي. وعندما نقل أبناؤهما أخبار تمدد الأوعية الدموية إلى الزوج ترينت، لم يتمكن من فهمها بالكامل. لم يتمكن أي شخص في الغرفة من حبس دموعه، حتى طبيب القلب كان يدمع لرؤية دولوريس في حالتها هذه، لأنه قضى اليوم السابق يتحدث إليها. لقد حدث كل هذا بسرعة جداً.
دفعه ممرض في مقعدٍ متحرك إلى غرفتها، وشاهدته العائلة بأكملها، منكسرة القلب، عندما بكى إلى جانب فراشها يربت عليها ويقول "استيقظي يا آيلين".
قال لأبنائه "اطلبوا من الله أن يوقظها وحسب. إنه قادرٌ على أن يخلق معجزة".وأضاف "لا أعرف إلى جانب من سأجلس على الأريكة وأشاهد الأخبار بعد الآن".
وعندما رأت النظرة المحطّمة على وجهه، مع علمها بأن الغسيل الكلوي أنهك قلبه، ناشدته ابنته بأن يصمد، فقالت له "أبي، أنا سأعتني بك. أرجوك ابق معنا"، لكنه لم يجب.
وعندما خلد إلى النوم في تلك الليلة استيقظ بعد ساعة، وسأل ابنته "هل ماما ما زالت تتنفس؟".
أجابت شيريل وينستيد "نعم يا أبي، ما زالت تتنفس".
وعندما لاحظوا حالة دولوريس المتدهورة، ومعاناة ترينت، تلقى طاقم المستشفى موافقة -للمرة الأولى في تاريخ المستشفى- على وضع الزوجين في الغرفة نفسها، ووضع سريريهما جنباً إلى جنب.
في لحظاتهما الأخيرة -تماماً كما فعلا في ليالٍ لا تعد ولا تحصى- استلقى الزوجان معاً، جنباً إلى جنب، متشابكي الأيدي. وفي التاسعة وعشر دقائق من مساء يوم التاسع من ديسمبر/كانون الأول 2016، قبل حوالي خمسة أسابيع من عيد زواجهما الرابع والستين، توقفت دولوريس عن التنفس.
لبضعة دقائق، لم تستطع شيريل وينستيد وأخوها إيدي وينستيد إجبار نفسيهما على إخبار والديهما بأن صديقته الصدوقة وشريكته قد رحلت. وفي النهاية، اتجه إيدي ويسنتيد إلى ترينت.
قال برفق "لقد رحلت يا أبي".
رفع ترينت يده إلى أعلى، مرسلاً على ما يبدو قبلة إلى زوجته الراقدة بجواره، وفقاً لابنته.
أخبرها "ينبغي أن تجلبي لها نعشاً زهرياً، وفستاناً زهرياً، لأن هذا ما أرادته". بالطبع، كانت شيريل تعرف مسبقاً.
صمد الرجل ذو الثمانية والثمانين عاماً لفترة أطول مما توقعه الابن والابنة. لكن شيريل وينستيد علمت أن المسألة مسألة وقت.
قالت "لأنها رحلت، هو فقط لم يستطع احتمال الأمر. لقد شاهدناه يحتضر".
وفي الرابعة مساءً من اليوم التالي، بعد ساعاتٍ من وفاة زوجته، أسلم ترينت الروح.
قالت شيريل وينستيد "لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة حينها، لكنه حرفياً مات من كسرة قلبه".
وعقّبت "لم أفكر أبداً، ولا بعد مليون سنة، في أنني سأخرج من المستشفى بلا أيٍّ منهما معي".
اختارت العائلة، من أجل جنازة الزوجين المشتركة في السادس عشر من ديسمبر/كانون الأول 2016، أغنية ظنّوا أنها ملائمة، وهي "الحب يبقى"، لهيلاري سكوت.
تقول كلمات الأغنية "يرحل فتى، ويتخذ عروساً. وتبقى وفيّة، إلى جانبه.. يتشاركان السرّاء، ويتشاركان الضرّاء. لكن خلال كل شيء، يبقى الحب".
كان قبر دولوريس زهرياً، وقبر ترينت أزرق، تماماً كما أرادا. وبنفس الطريقة التي رحلا بها، دُفن الزوجان ليرتاحا معاً، جنباً إلى جنب.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.