مَن (أبشيك) هذا وما قصة النصيحتين الذهبيتين؟
(أبشيك) هو صديقي المتميّز من بلاد الهند، كان يشغل منصب مدير أول لمشاريع الموارد البشرية في مجموعة قنوات "إم بي سي" التي كنا نعمل لديها.
كان هذا الشاب الثلاثينيّ من العمر مثالاً للإتقان والتميّز، تصرفاته مدروسة، أخلاقه راقية، اجتهاده في العمل يصعب مجاراته. كنت أصغُره بعدة سنواتٍ وكعادتي كنت كثير السؤال وما كان ذلك يزعجه أبداً؛ بل على العكس كان يستمع لي بكل اهتمامٍ وترحابٍ. وكأي خريج جديد أشابه خريجي البيئة المحيطة بيّ، كنت كثيراً ما أفضّل إنهاء كمٍّ كبيرٍ من الأعمال على حساب جودة العمل وإتقانه، ثم أقوم بتسويق نفسي على أنني منجزٌ ومتميز، وهذا ما كان يقلق صديقي كثيراً.
بعد أشهرٍ من طلبي التدرّب في قسمٍ غير القسم الذي أعمل به، حالفني الحظ بأن أكون في الفريق الذي يعمل على مشروعٍ تطويريٍّ كبيرٍ برئاسة ذاك الشاب، وهناك بدأت عملية الصقل وتقويم الاعوجاج، وأخذ صديقي بأسلوبه البارع وبصبره الجميل ينتقل بي من مرحلةٍ إلى مرحلةٍ أخرى في طريق ترسيخ فكرة الجودة أولاً نظرياً وعملياً. وما هي إلا أشهرٌ وإذ بأعمالي البسيطة التي كانت تتطلب مني الكثير من الوقت والجهد للترويج لها عند المديرين، هذه الأعمال الصغيرة المتقنة بدأت تتحول إلى إنجازاتٍ لافتة، استدعتني على أثرها رئيسة القسم لتُبشرني بخبر انضمامي إلى قسمٍ مهمٍ في الشركة حيث هناك من المشاريع والخبرة ما هو أكبر وأهم.
في يوم من الأيام، قصد (أبشيك) مكتبي وقال لي: "تشاي"، يعني: تريد شرب الشاي معي؟ وكالعادة، قلت له: نعم لكي نتكلم حول بناء وتطوير مهاراتي اللازمة لأتميّز في مجالي كما كنا نفعل دائماً. ولكنّه فاجأني هذه المرة بقرار استقالته من العمل، حيث إن الوقت قد حان لكي ينتقل إلى المرحلة التالية في خطته التطويرية التي وضعها لنفسه.
غادرنا (أبشيك) ليشغل منصب نائب رئيس قسم الموارد البشرية لمجموعة غولدمان ساكس الأميركية العالمية. لا أزال أذكر آخر أسبوع من عمله معنا في الشركة، كان يستطيع بكل بساطةٍ أن يضيّع الوقت ويمضي هذا الأسبوع في المحادثات الجانبية، ولكنه لم يكن من هذا الصنف، كان مثالاً للجدّ والمثابرة، كان يسهر الليالي كأنه موظفٌ جديدٌ تحت التجربة؛ بغية إكمال مشروعٍ كان قد التزم به قبل قراره الانتقال. هذا بالإضافة إلى انشغاله الكبير بترتيبات السفر النهائية. غادرنا (أبشيك) وقد ترك لي الكثير من الفوائد والقيم، كان أهمها تلك النصيحتين الذهبيتين اللتين كان هو بنفسه مثالاً عملياً لهما:
"إذا أردت فعل أي عمل في حياتك مهما كان صغيراً أو كبيراً، فأَنْجزه بأعلى درجات الجودة كأنك تقدّمه لرئيس دولتك، واعلم أيضاً أن تطوير نفسك هو مسؤوليتك الشخصية لا تفوضها لأحدٍ، ولا تدع أحداً يقلل من همتك في تحقيقها".
شكراً (أبشيك) على كل شيء، وأتمنى من الله أن يرزقني في حياتي (أبشيك) ثانياً وثالثاً، وإن لم أُرزق به فسأسعى جاهداً كي أجده، فأمثالك أحق بأن يبحث الناس عنهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.