ما دامت الحروب قائمة فنحن في أزمة إنسانية عاجلة، ونقصٍ في إنسانيتنا المعاصرة، ربما لم تتطابق عقولنا مع أرواحنا بعد، ولا تزال هناك ثغرة في دنيانا، نبحث عنها في ذواتنا أو حولنا.
منذ القديم وضعت الأساطير مهداً للحقائق ولم تنفذ، ولكنها أنارت دروب الملايين من أجدادنا، ونزلت الأديان لتنير بعض هذه الحقائق، ولكنها أيضاً لم تنفذ، فالإنسان يتألف من ثلاثة أهرامات أو أربعة تطابقت ثلاثة ولا يزال أحدها مفقوداً، ربما لم يهبط بعد.
عندما هبط آدم من الجنة هبوطاً من مستوى إنساني كامل إلى مستوى بشري، لم تنقل صورته إلى هذا الهبوط كاملة، ولذلك قالت الملائكة إنه سيعيث في الأرض فساداً؛ لأنه ترك في الجنة إنسانيته المتكاملة، لم يستطِع العبور دون أن يخلع هرماً وينساه.
هذا الفراغ في العقل جعل الإنسان على الأرض مُستقبِلاً لكل الطاقات الضائعة والشريرة؛ لتتمركز في فجوته المنتقلة أثناء العبور، والتي فقدها كفقدان المرأة عذريتها.
ماذا فقدنا عاجلاً في الأرض، كل شيء أم نصفنا أم ثلثنا أم ربعنا؟
وما الذي تحكم بنا لنصل إلى إنسانية متجبرة مطلقة ظناً منا أنها القوة التي تحمينا في الكون.
ما الذي يثبت لنا أن الحروب والتجبر هي القوة التي تواجه تغيرات الكون، ليس من الممكن أن نكون مخطئين، أم أن خوفاً بداخلنا يتصاعد عالياً نحو السماء؛ ليلامس الهرم المفقود بين الأرض والسماء.
تُنافي حقيقتُنا حقيقةَ آدم في الجنة، وتبعث مخيلتنا لنكتب قرار البشرية الصماء، كلما نظرنا نحو السماء أُعيد نظرنا نحو الأرض، ليتنا نسأل لِمَ هذا الضعف في مخيلتنا وأرواحنا؟!
تنبعث الأساطير لتكاد تكون قوةً تقودنا نحو إيجاد ما فقدناه في مراحل تطورنا، وتقوم منهجية العلم على كبت هذه الحقائق، مع أن الإنسان لم يستطِع أن يكون عالماً لولا بصيرته، وإن هذا العلم يخترق كل هذه الحقائق، وكل اختراعاته العلمية؛ إما لتدمير ذاته الإنسانية، أو لبناء هذه الذات، محاولة فاشلة لاختراق الروح والحقيقة الإنسانية.
لم تُجدِ أي من الأبحاث والعلوم الدنيوية نفعاً في اختراق حقيقة الإنسان، وإنما فقط لتدمير أو إعمار دنياه التي هي منزل جسده الفاني.
كل تقدم له هو بمثابة رفاهية لهذا الجسد، وتطير بنا الفكرة إلى أن الإنسان سيبقى عاجزاً عن ربط الأساطير والحقائق بالهرم الثالث أو الرابع الذي فقده أثناء عبوره نحو إنسانية الأرض، فقد الكثير، ولكن ما هو هذا الهرم؟ وماذا يحمل؟
يحتوي الهرم المفقود على الكمال الإنساني، والتناغم بين العقل والروح والجسد، فماذا نقص من الإنسان في هذه الفجوة التي امتلأت بكل أنواع الخيالات العقيمة من الكذب والحسد والحقد.. إلخ التي لا تؤدي إلا إلى بابٍ مغلق.
ربما فقد الحب هذا الهرم الذي بقي في السماء يُشع، وأرسل جزءاً بسيطاً منه مع الأجداد، هذا الهرم الذي لم يهبط وإنما بقي مشعاً مخفياً محمياً لا نعلم عنه شيئاً سوى القليل, عندما تلامس روحنا بابه يتدفق نوره في أرواحنا، فنشعر بالحب والعشق، ولكن ماذا لو أننا كلنا لامسنا بابه معاً، فانفتح وتدفق ما فيه؛ ليملأ فجوة الظلام فينا عندها كل من يحمل السلاح يلقيه، وكل من لم يعانق حبيبته، يسير عبر مسافات الزمن لهذا العناق، هذا الشعاع المخفي الذي لا ننال إلا جزءاً بسيطاً منه أُخفي عقاباً للإنسان؛ لأنه عندما كان مكتملاً وسعيداً اشتاق إلى ما يعاكس سعادته وكماله، فتخطى خطواتٍ نحو ماضيه قبل أن يكون مكتملاً، وهذا ما نعيشه نحن الآن.
وما دمنا وصلنا للكمال وانتقص منا، فنحن نعيش في ماضٍ إنسان أعزل ينقصه الهرم الثالث أو الرابع، وهو الحب، ينقصنا الكثير من الحب، ولا أي تكنولوجيا أو علم يستطيع أن يعبر بنا إلى مراحلنا المتقدمة التي كنا عليها من الإنسانية، ربما عندما ندمر أنفسنا نعود لنبنيها على هرم آخر وطريقةٍ أخرى؛ لنملأ هذه الفجوة ونعيد كينونة الإنسان وعلّنا نجد وقتها دنيا مليئة بالحب والسلام.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.