إنه ابتلاء يا حلب.. لكن خذلناك نحن العرب!

لا يزال السوريون يصارعون المجهول، بين التمسك بتراب أرضهم أو الفرار من قصف جائر وسلطة طاغية، هددت حياة المدنيين وجعلت المدن السورية مقابر لنفوس زكية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/18 الساعة 03:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/18 الساعة 03:15 بتوقيت غرينتش

إلى أرض الفداء، إلى أرض بات يباد سكانها أحياء، إلى مجد الأمة والعرب، إلى من سقاها الفرات وبات اليوم يدميها الطغاة؛ لتتحول خضرتها إلى خضاب، خضاب دم زكي هو دم الشهداء، من أبَوا الذلة والعار وضحوا بأنفسهم لنصرة الحق وإعلاء رايته على تراب بات ساحة للقتال.

يوماً بعد آخر يزداد الحصار، ويتفاقم الوضع المأساوي في المخيمات، أسر مشردة فرَّت من جحيم الحروب؛ لتصطدم بجحيم من نوع آخر.. صور قاتمة يعتريها الألم تعكس مرارة الحال، التي مهما وصفت لن يستشعرها إلا من عايش اللحظة، وتسارعت دقات قلبه مع كل قصف ألف مرة؛ بل وسالت دموع البعض على فقدان عزيز غالي برصاص معتدٍ آثم.
شيب وشباب، نساء ورجال بل وحتى أطفال، لا فرق بينهم، فالإبادة لا تستثني أحداً، إبادة دنست معاني الإنسانية وكشفت الحجاب على تفرقتنا العربية؛ بل وأبانت على أن أمتنا فقدت من زمن طويل مفاهيم عدة من قبيل التضامن، والتعاون، والوحدة.

عبارات باتت حبراً على ورق، يتباهى بها الحكام في القمم الدولية، ويتغنى بها الأمراء في المؤتمرات العالمية، في حين أن الواقع شيء آخر.

لا المواثيق الدولية استطاعت إيقاف المجازر الإنسانية، ولا الهيئات الحقوقية التي عوَّل عليها الكثيرون؛ لتنصفهم تمكنت بصلاحياتها من نصرتهم.

بِتنا نعيش مسرحية دامية فصولها جارحة، مسلسلاً محبوكاً تتسارع فيه الأحداث، تارة بطغيان الأسد وتجبره، وتارة أخرى بظهور جماعات إرهابية تهدد سلامة واستقرار وطن لطالما عاش في هناء، وكان مثالاً يحتذى به في المشرق والمغرب.

أيعقل أن تتعاقب مختلف الأحداث لتنتهي بإبادة جماعية يروح ضحيتها الأبرياء؟

نتساءل في هذه الأثناء عن تلك المواثيق التي يشيد بها القادة، ثم ماذا عن تلك الهيئات العالمية التي تدعي النزاهة وأين يكمن دورها؟ أم هو الآخر شعار يلوح في الأفق ليبقى مجرد قول سطحي بعيداً عن التطبيق الفعلي؟!

أين هي المؤسسات الحقوقية، سواء العربية وحتى العالمية التي لطالما تغنت بحقوق الإنسان وكرامته؟ إذ تقر أن الإنسان لا يقوَّم بثمن فهو فوق كل اعتبار.

عدة أسئلة تتبادر في الأذهان بشكل بديهي، تتضارب فيما بينها، لعلنا نستخلص جواباً يفسر تفرقتنا العربية.

من خلال مقاربة بسيطة نستكشف أن وحدة الأمة العربية اختزلت؛ بل باتت طيفاً من العدم، ما زلنا نستحضر التفجيرات التي اهتزت على وقعها فرنسا، وتسببت في سقوط عدد من الضحايا وإصابة البعض بجراح متفاوتة الخطورة.

حدث جعل قادة الدول وحكامها؛ بل وحتى السفراء والوزراء يخرجون في أكبر حملة شهدها العالم للوقوف في وجه الإرهاب، لكن ماذا عن هذا الإرهاب الذي يشهده السوريون تارة بسلاح جوي يهز حلب، وتارة أخرى بقصف بمواد كيماوية محظورة دولياً؟

هذه الإبادة التي يعانيها أناس أبرياء، ألا تستحق أن ينتفض لها العالم برمته رغم كل الاختلافات سواء كانت دينية أو عرقية.. إلخ؟!

إن الأمر يستحق انتفاضة باسم الإنسانية؛ لأجل أم شهيد تمسك جثة ابنها الذي تخرج حديثاً ولم تفرح به بعد، لأجل طفل صغير حلم بالكثير واستفاق على واقع مفجع حزين، تجده في شوارع حلب يمسك أشلاء أبيه رافضاً تركه، لأجل الكثير من الأسر الذين شُردوا، وباتوا لاجئين رغم أن لهم وطناً ذا حضارة عريقة تشهد على مجد الأمة.

لا يزال السوريون يصارعون المجهول، بين التمسك بتراب أرضهم أو الفرار من قصف جائر وسلطة طاغية، هددت حياة المدنيين وجعلت المدن السورية مقابر لنفوس زكية.

أمام هذا المشهد المفجع لا تزال الحكومات العربية عاجزة عن الحراك، وكأنها مكبلة عن القيام بأي إجراء، مبادرات دولية محتشمة لم تحقق تغييراً جذرياً فقط هي إصلاحات ترقيعية تهدف لإقرار هدنة لمدة معينة حتى تعود الأمور إلى سابق عهدها.

مأساة إنسانية في سوريا يشهدها العالم من أقصاه إلى أدناه، وحلول مؤقتة لم تأتِ أكلها بعد، فعدد الضحايا في تزايد مهول، وحالة المخيمات في وضع مزرٍ؛ إذ تفتقر لأدنى شروط العيش الكريم.. حقاً لقد دنست الكرامة الإنسانية وبعثرت أوراقها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد