أرض السراب

الإنسان هو الإنسان أينما كان وأينما وُجد بكل حذافيره، يؤلمني أن أرض السراب واقعٌ يجتاح شريحة كبيرة في مجتمعنا من مختلف الأعمار، كأننا نعيش وهماً وننام وهماً ونأكل وهماً ونموت وهماً، ما الجدوى إن لم يكن لدى كلّ واحدٍ منا بصمةٌ تنقله لأرض الواقع؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/18 الساعة 02:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/18 الساعة 02:30 بتوقيت غرينتش

سفينة نوح تمضي حيث لا منشأ لها ولا قرار.. كُتب لأرض السراب عالم حقيقي يندثر خلف أحلامنا، وتعلو جبهاتنا خيبات الأمل.

عندما صعدنا أولَ مرّة إلى سفينة نوح، كانت الأحلام والآمال ترتقي للوصول نحو أرض السراب ووضع بذور القمح فيها، لم يتخيل من ركبَ السفينة وقتها أن أحلامه هذه ستكون يوماً في حلقة مفرغة تدور وتعود للبداية نفسها.

والآن، أين سفينة نوح؟ ومن سيبنيها؟ ومن سيكون عليها؟ هل هي السفن الفضائية التي تُبنى، أم أنها اندثرت كما اندثرت أرض الأحلام؟

لم يكن الحاضر بأفضل من الماضي سوى في أن الإعلام أصبح أقوى وأنفذ بفضل القنوات الفضائية والإنترنت والتلفزة، فما الفرق في أن يحدث طوفان آخر ينتزع الخراب النسبي الموجود، أم أن ندامة ما وقعت في الطوفان الأول، ولن يتكرر طوفان آخر ولا سفينة أخرى!

الإنسان هو الإنسان أينما كان وأينما وُجد بكل حذافيره، يؤلمني أن أرض السراب واقعٌ يجتاح شريحة كبيرة في مجتمعنا من مختلف الأعمار، كأننا نعيش وهماً وننام وهماً ونأكل وهماً ونموت وهماً، ما الجدوى إن لم يكن لدى كلّ واحدٍ منا بصمةٌ تنقله لأرض الواقع؟

لا نزال في حالة التبعية المطلقة في كل الأحوال، الاقتصادية والدينية والسياسية والاجتماعية، صحيح أن مجتمعنا لا ينشأ إلا من هذه الظواهر، ولكنها في الحقيقة تودي بنا إلى مجهول وكل منا مقتنع بأنه أدى دوره على أتم وجه، ورسالته التي خُلق لها حتى ولو كانت مساعدة أعمى في الطريق، فعندما ينضج الفكر ويخرج من ترهات مكتوبة، وأحياناً ملعونة، ليرى أن الإنسان لا تتوقف حياته على أرض السراب وسفينة نوح، وإنما ولدَ لخيرٍ أعظم، بقوة عظمى ليفجر طاقاته في الكون العظيم، لا لينتظر مصيبة من يكره ليقول عنها إنها عقاب، ولمن يحب إنها رفع درجات، وازدهار من يكره إنه انتقام. وازدهار من يحب محبة وعطاء، عندها نكون قد بدأنا في وضع أولى دعائم البشرية.

فمن وضعكَ أيها الإنسان لتكون القاضي في شؤون غيرك، فلو ارتقينا طرفة عين لوجدنا أن الكون مفتوح لنا كلنا دون استثناء للخير والشر، لعرفنا كيف نخرج من هذه الفتن المتجسدة فينا كلياً برغباتنا في السباق إلى أرض السراب، أرض الوهم في القبور تحت الحجار.

مصيرنا يتوقعه الباقون على وجه الأرض في المستقبل، وربما أجيال وأجيال تمتلك العلم والمفهوم الحقيقي للإنسانية والبشرية، فتأخذ بيد هذه الأمور لتجمعها بلا منازع، وتكون أرض السراب حقيقة مجسدة بالخير خالية من عبء معطيات الماضي الذي لا نزال ندفع للآن الكثير من تراكماته.

ويُخيل إلينا أننا حققنا ذاتنا، وما نحن إلا ذرات متراكمة في الكون تتحد لينشئ بعضها بعضاً، فإما أن تكون واعية أو مستمرة في عذاب البشرية، ورب ذرة طافية تمتلك من الحب والوعي ما يمتلكه الملايين. فهل حقاً نحتاج إلى مخلّصين، أم أن المخلّص فينا، وحدنا من نخلّص هذه الذات؟

أحياناً، تنفجر الأفكار في أرض السراب وتنمو وتتطور وتتجسد، وما لم نكن في يقظةٍ حقيقية فلن تكون لهذه الأفكار سوى الضياع، كضياع ذرات الكون في شغف اللقاء أم تراها تلتقي في أرض السراب، أو لا تلتقي فتستحيل إلى ذكرياتٍ تموت في عمائها، فأرض السراب ومضة تدور بمخيلة كلّ محبٍ للخيال والحقائق، ولا بد أن كلّ واحدٍ فينا في خلوة ما وقع فيها، فاستقام أو سَرح.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد