جذبت المحنة التي يعيشها آلاف السوريين شرق حلب أنظار العالم في الأيام الأخيرة مع استعادة القوات الموالية للنظام السوري السيطرة على المنطقة من قوات المعارضة. حاول بعض سكان المنطقة الفرار بعد أن تم خرق اتفاقٍ لوقف إطلاق النار هذا الأسبوع، والبعض الآخر ببساطة ينتظرون مصيرهم.
تحدثت النسخة الأميركية من موقع "هافينغتون بوست" مع بعض العاملين في المجال الطبي والنشطاء الذين يرفضون مغادرة حلب رغم عمليات القصف المستمرة بلا هوادة؛ إذ ظلوا في حلب من أجل رعاية أصدقائهم وعائلاتهم والآلاف من المدنيين المحاصرين، الأمر الذي يشكل خطراً كبيراً على حياتهم. نعرض فيما يلي بعضاً من قصصهم.
أحمد أبو خالد مدير مركز الحياة الطبي بحلب
أحمد، الذي رفض الكشف عن اسمه الكامل لأسبابٍ أمنية، ويستخدم اسم أبو خالد، يدير أحد المستشفيات الأخيرة المتبقية بشرق حلب. أجبرت القوات الحكومية أبو خالد على تسليم المركز الطبي عندما سيطروا على المنطقة.
وقال أبو خالد: "اضطر الأطباء والطاقم الطبي إلى المغادرة قبل وصول الجيش. واضطررنا إلى نقل المرضى إلى مكانٍ آخر".
وأضاف أبو خالد أنه لا يعرف ما الذي سيحدث للمستشفى بعد سيطرة الحكومة عليه، لكنه قال إنه لا شك أن "كل يوم يمر سيكون أسوأ من سابقه".
أبو لؤي ممرض بشرق حلب
أبو لؤي، الذي يستخدم أيضاً لقباً لأسبابٍ أمنية، وصف الأهوال التي رآها خلال الأيام القليلة الماضية؛ إذ استمر عشرات المرضى في الوصول إلى المركز الطبي التابع للجمعية الطبية السورية-الأميركية، رغم إمكاناته التي تتضاءل يوماً بعد يوم وعدم كفاية العاملين. وقال أبو لؤي إنه يشعر بالقهر والإرهاق الشديد.
وكان يتحدث من أحد المستشفيات قائلاً: "سيارات الإسعاف تستمر في جلب المزيد والمزيد من الجرحى. لا يمكننا العثور على عمال إغاثة بما يكفي للمساعدة".
يوم الأربعاء، 14 ديسمبر/ كانون الأول، بعد يومٍ واحد من الحديث مع أبو لؤي، أُصيب في غارة جوية؛ إذ اخترقت رئته اليسرى قطعتان صغيرتان من الشظايا وهو في طريقه إلى المستشفى شرق حلب بصحبة أحد الصيادلة، الذي أصيب هو وسائقه أيضاً وخضعا لتدخلٍ جراحي.
وكثيراً ما تتعرض المنشآت الطبية في شرق حلب للقصف بالقنابل.
وتقول أليس بيكر، مسؤولة البرامج في منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان": "توقعنا حدوث تلك الكارثة، لكننا فشلنا في منعها، وقفنا نشاهد بينما تحاصر قوات النظام السوري حلبَ ومئات الآلاف من المدنيين بها، وتمنع الإمدادات الغذائية والطبية لهؤلاء المدنيين، وتستمر في قصفها مستشفيات المدينة بشكلٍ منهجي وإخراجها من الخدمة".
وقال أبو لؤي: "الغرف ممتلئة بالجرحى من المدنيين… وأرضيات المستشفى ممتلئة كذلك… الوضع مُبْكٍ!".
دكتور باسل تيرمانيني – الجمعية الطبية السورية الأميركية
نشأ الدكتور باسل تيرمانيني بسوريا، ولكنه الآن عادة يعيش في بيتسبرغ بالولايات المتحدة الأميركية. ترمانيني هو نائب رئيس الجمعية الطبية السورية-الأميركية، وعضو مجلس إدارة لجنة الإغاثة الطبية الإقليمية لمنطقة تركيا وشمال سوريا.
الجمعية الطبية السورية-الأميركية هي واحدة من المنظمات الطبية الأكثر نشاطاً داخل سوريا؛ إذ تقدم الرعاية الطبية، وترعى المستشفيات الميدانية وسيارات الإسعاف، وتوفر تدريباً للعاملين في المجال الطبي السوري، فضلاً عن توجيه وإدارة المساعدات الإنسانية والمعدات الطبية.
قبل يومين فقط، كان للجمعية نحو 16 طبيباً بشرق حلب. الآن، هناك 12 طبيباً، وعلى الأقل 150 من العاملين في مجال الرعاية الصحية محاصرين بالمدينة.
وكانت فريدة، آخر طبيبة توليد في حلب، والتي تستخدم كنيتها فقط لأسبابٍ أمنية، قد تم إجلاؤها مع زوجها حفاظاً على سلامتها. استهدِفَ أيضاً أكبر مراكز الجمعية للصدمات النفسية بحلب 18 مرة على الأقل، مما تسبب في غلقه.
وقال تيرمانيني: "الأطباء يعملون بإمداداتٍ ومعدات محدودة للغاية… خزانات الأكسجين على وشك النفاد، والأطباء يجرون العمليات الجراحية الكبرى من دونها، وهو أمر ببساطة غير مسبوق!".
وأضاف تيرمانيني: "حالات الجرحى تتكدس في غرفة الطوارئ، وغرف العمليات قليلة جداً، وكذلك وحدات العناية المركزة اللازمة لعلاجهم. رسالتنا للعالم هي الوفاء بالتزاماته لحماية المدنيين؛ لأن العالم لم يدافع عنهم".
عمار السالمو مدير منظمة الدفاع المدني السوري بحلب
منظمة الدفاع المدني السوري، المعروفة باسم "الخوذ البيضاء"، هي منظمة تطوعية، غالباً ما تكون أول المستجيبين الموجودين في حالات الطوارئ بالمناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة في سوريا. شعار الفريق، طبقاً لموقع المنظمة الإلكتروني: "عندما تتساقط القذائف كالمطر يهب رجال الدفاع المدني السوري، المعروفون باسم الخوذ البيضاء، للمساعدة".
وقال عمار السالمو إنه في الأيام الأخيرة تحَوّل تركيز المنظمة تجاه شيء آخر، ويقول عن ذلك: "لقد تحولت مهمتنا الإغاثية إلى مهمة لدفن الموتى".
وأضاف السالمو، الذي ينسق عمل فرق المنظمة في المدينة، إنَه "لا توجد أماكن آمنة بحلب… يمكننا سماع الناس تحت الأنقاض، لا يزالون على قيد الحياة".
وقال السالمو إنَه لا يزال هناك نحو 135 عاملاً بالدفاع المدني في حلب، ومعظمهم لا ينوون المغادرة. وتُقَدّر منظمة الخوذ البيضاء إنها أنقذت أكثر من 60 ألف شخص طيلة الصراع المستمر منذ 6 سنوات. كما زادت وتيرة العمل خلال الأسبوع الماضي.
ويتمثل الخوف الأكبر لسالمو فيما سوف يحدث بعد سيطرة قوات النظام السوري على شرق حلب؛ إذ أضاف قائلاً: "نخشى قيام قوات النظام بحالات إعدام جماعية… نخشى التجويع والتعرض للقصف".
باسم الأيوبي ناشط سوري
ساعد باسم الأيوبي في تشغيل مدرسة للأطفال تحت الأرض بتنسيقٍ مع منظمة "أمل وسلام من أجل مستقبل سوريا" المحلية. يقدم المركز ملاذاً للأطفال، حيث يمكنهم اللعب، والتلوين، والتعلم، في مأمنٍ من الحرب الجارية فوق الأرض.
ومع ذلك، فإن المركز لم يعد قيد التشغيل، ويقول الأيوبي عن ذلك: "كل المدارس خارج الخدمة في مدينة حلب… الأطفال خائفون بسبب القصف الشديد".
ومن بين نحو 250 ألف شخص محاصرين في معقل المعارضة بمدينة حلب المنقسمة شمال سوريا، هناك نحو 100 ألف طفل، هم الضحايا الأكثر عرضة للإصابة في القصف المكثف الذي تقوم به قوات النظام السوري وحلفائه الروس. وقال الأيوبي إنه لا يعرف متى سيُعاد فتح المدرسة.
– هذا الموضوع مترجم عن النسخة الأميركية لـ"هافينغتون بوست. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.